الإعراب ، أمثلك يعرّض بهذا لمن كان أدنى تلامذته فارسا في علم الإعراب مقدّما في حملة الكتاب؟ لكنّ نحوك انحصر في الجمل الذي صنّف لصبيان الكتّاب ، وحرمت من الكنوز التي أودعها سيبويه في هذا الكتاب ، ثم على تقدير إتيان أو للإضراب مطلقا كما ذهب إليه بعضهم لا يندفع الإيراد ، لأنّ من شرط ارتفاع شأن الكلام في البلاغة صدوره من بليغ عالم بجهة البلاغة بطرق حسن الكلام ، وأن يكون السامع معتقدا أنّ المتكلّم قصد هذا في تركيبه عن علم منه ، لا أنّه وقع اتّفاقا بلا شعور منه ، فإنه إذا أساء السامع اعتقاده بالمتكلم ربّما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ ، وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة ، وممّا يشهد لذلك ما نقل صاحب (المفتاح) (١) عن عليّ رضي الله عنه أنّه كان يشيّع جنازة ، فقال له قائل : من المتوفّي؟ بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفّى ، فلم يقل : فلان ، بل قال : الله تعالى ، ردّا لكلامه عليه بخطأ أو منبّها له بذلك ، على أنّه كان يجب أن يقول : من المتوفّى بلفظ اسم المفعول ، ويقال : إنّ هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو ، فأمر أبا الأسود الدّؤلي بذلك ، ولا شكّ أنّه يقال : توفّى على البناء للفاعل أي : أخذ ، وحينئذ يكون كناية عمّن مات ، بمعنى أنّ الميّت أخذ بالتّمام مدّة عمره فمات ، فالمتوفّي هو الميّت بطريق الكناية ، ويقال : توفّي على البناء للمفعول أي : أخذ روحه ، وحينئذ يكون الميّت هو المتوفّى حقيقة ، والمتوفّي هو الله ، ولمّا سأل من هو من الأوساط من علي عن الميّت بلفظ المتوفّي الذي هو من تركيب البلغاء أجابه بما يليق به : إنّ المتوفّي هو الله تعالى ، وفيه بيان أنّه يجب أن يقول : من المتوفّى بلفظ اسم المفعول الذي يليق به ، كما تقوله الأوساط لأنه لا يحسن الكناية.
وإذا سمعت ما تلونا عليك وتأمّلت المقصود من إيرادنا هذا الكلام عليك تتيقّن الجواب عن الثالث والرابع في ذهنك اليقين الجليّ.
وأمّا قولك : «خامسا : هب هذا خطأ صريحا ، أليس المقصود هنا كالصّبح فما كان لو اشتغلت بالجواب» فنقول : الجواب عليه من وجهين :
أحدهما : أنّ الأئمة قد صرّحوا بأنّه لا يكتب على الفتوى إلّا بعد تصحيح السؤال.
والثاني : أنّه يحتمل أن يكون قد أحسن الظنّ في حقّك بأنّ مثل هذا لا يخفى
__________________
(١) انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص ١٢٢).