تعدنا وأن يكون مبهما قد وضح أمره بقوله (عارضا) إمّا تمييزا ، وإمّا حالا. وهذا الوجه أعرب وأفصح. انتهى» قال الشيخ أبو حيّان : «وهذا الذي ذكر أنّه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكره النّحاة ، لأنّ المبهم الذي يفسّره ويوضّحه التمييز لا يكون إلّا في باب «ربّ» ، نحو : «ربّه رجلا لقيته» ، وفي باب «نعم وبئس» ، على مذهب البصريّين نحو : «نعم رجلا زيد» ، و «بئس غلاما عمرو». وأما أنّ الحال يوضّح المبهم ويفسّره فلا نعلم أحدا ذهب إليه. وقد حصر النّحاة المضمر الذي يفسّره ما بعده ، فلم يذكروا فيه مفعول «رأى» إذا كان ضميرا ، ولا أنّ الحال يفسّر المضمر ويوضّحه» (١) انتهى.
وكلام ابن عطيّة من وادي كلام الزّمخشري ، فإنّه قال : «والضمير في رأوه يحتمل أن يعود على العذاب ويحتمل أن يعود على الشيء المرئيّ في الطالع عليهم ، وهو الذي فسّره قوله (عارضا)» انتهى. فقد جعل الضمير يفسّره ما بعده كما قال الزخشري لكنّ الزّمخشريّ أفصح بالإبهام والتّمييز والحال ، فلذلك خصّه الشيخ رحمه الله بالاعتراض ، والذي قاله الشيخ هو الجاري على القواعد المقرّرة في النّحو.
وأمّا آية البقرة ، فقال الشيخ أبو حيّان فيها : «قال الزّمخشري : والضمير في (فَسَوَّاهُنَّ) ضمير مبهم ، و (سَبْعَ سَماواتٍ) : تفسيره ، كقولهم (٢) : «ربّه رجلا» ، انتهى كلامه. ومفهومه أنّ هذا الضمير يعود على ما بعده وهو مفسّر به فهو عائد على غير متقدّم الذّكر. وهذا الذي يفسّره ما بعده منه ما يفسّر بجملة ، وهو ضمير الشأن أو القصّة ، وشرطها عند البصريّين أن يصرّح بجزأيها ، ومنه ما يفسّر بمفرد ، أي : غير جملة ، وهو الضّمير المرفوع بنعم وبئس ، وما جرى مجراهما ، والضمير المجرور بربّ ، والضمير المرفوع بأوّل المتنازعين على مذهب البصريّين ، والضمير المجعول خبره مفسّرا له ، والضمير الذي أبدل منه مفسّره. وفي إثبات هذا القسم الأخير خلاف ، وذلك نحو «ضربتهم قومك».
وهذا الذي ذكره الزمخشري ليس واحدا من هذه الضمائر التي سردناها إلّا أنّه يحتمل فيه أن يكون (سبع سماوات) بدلا منه ومفسّرا له ، وهو الذي يقتضيه تشبيه الزّمخشري له ب «ربّه رجلا» ، وأنّه ضمير مبهم ليس عائدا على شيء قبله ، لكنّ هذا يضعف بكون هذا التقدير يجعله غير مرتبط بما قبله ارتباطا كلّيّا ، إذ يكون الكلام
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٨ / ٦٤).
(٢) انظر الكشاف (١ / ٢٧٠).