من الرّقاق ولذلك لم يذكره المزّي في الأطراف. ورواه مسلم في آخر الكتاب كما في الرّقاق بدون هذه اللّفظة المذكورة في السؤال ، فقد يكون في غير الصحيحين. وفي مسند أحمد : «إلّا أنّ حولنا أهل دور من الأنصار جزاهم الله خيرا» (١). وفي ابن ماجه عن أبي سلمة عن عائشة «.. غير أنّه كان لنا جيران من الأنصار جيران صدق» (٢).
وأمّا السؤال الرابع : فجوابه أنّ (جعل) إن كانت بمعنى (خلق) فهما حالان ، ويجوز تعدّد الحال وصاحبها مفرد نحو : «جاء زيد راكبا ضاحكا». وإن كانت بمعنى (صيّر) فقوله (سميعا) مفعول ثان. وكذلك «بصيرا» لأنّهما خبران في الأصل فجاز جعل كلّ منهما مفعولا ثانيا ، ويجوز تعدّد خبر المبتدأ ، فكذلك يجوز تعدّد خبر ما دخل عليه ناسخ الابتداء ، ثم يعرب كلّ واحد منهما مفعولا ثانيا. وقد قال ابن مالك في التّسهيل «باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر ، الداخل عليهما (كان) والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام فتنصبهما مفعولين ، ولا يحذفان معا أو أحدهما إلّا بدليل ، ولهما من التقديم والتأخير ما لهما مجرّدين ، ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر كان» انتهى. وقد جاء في خبر كان (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء : ٣٤] ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح : ٤] فكذلك ما نحن فيه. ويمكن أن يجعل الأوّل المفعول الثاني ، والثاني صفته كما في قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣]. ويجوز أن يجعلا في معنى واحد على معنى : «مميّز بين الأشياء» ، إذ لا يحصل التمييز بين الأشياء غالبا إلّا بالسمع والبصر ، فيصير مثل قولنا : «الرمّان حلو حامض» بمعنى «مزّ» ، فإذا جاء مثل : جعل الله الرّمّان حلوا حامضا كان حكمه كذلك.
وأمّا السؤال الخامس : فجوابه أنّه حيث لم يتقدّم ما يعود عليه هذا الضمير يجوز أن يقال هو من القسم الخامس الذي ذكرناه من كلام الشيخ أبي حيّان في جواب السؤال الثاني وهو الضمير المجعول خبره مفسّرا له. وقد ذكر ابن مالك ذلك في التسهيل فقال : «ويتقدّم أيضا غير منويّ التأخير : إن جرّ بربّ ، أو رفع بنعم أو شبهها أو بأوّل المتنازعين ، أو أبدل منه المفسّر ، أو جعل خبره ، أو كان المسمّى ضمير الشأن عند البصريّين ، وضمير المجهول عند الكوفيّين».
قال الشيخ أبو حيان : «ومثال جعله خبرا قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : ٢٩] قال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢ / ٤٠٥) بغير هذا اللفظ.
(٢) أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (٤١٤٥).