التفسير يكون الحدّ الأوسط وهو (أسمعهم) مختلفا : هو في الجملة الأولى بمعنى : لأسمعهم إسماع لطف بهم ورحمة لهم ، فسمعوا وآمنوا واستقاموا ، وفي الجملة الثانية بمعنى : ولو أسمعهم إسماع فتنة لهم وابتلاء فسمعوا ودخلوا في الإيمان لتولّوا وارتدّوا ، ولا شكّ أنّ إسماع اللّطف والرّحمة غير إسماع الابتلاء والفتنة. وإذا لم يكن الأوسط متّحدا لم يكن الإنتاج لازما.
الجواب الثاني : سلّمنا اتّحاد الأوسط ، لكن لا نسلّم إنتاج القياس المؤلّف من متّصلتين كما هو رأي جماعة من المتأخرين ، فإنّهم قالوا : لا يلزم من صدق : كلّما كان ا ب : ج د ، وكلّما كان ج د : ه ز ، ا ب : ه ز لأنّ الكبرى تدلّ على ملازمة الأكبر للأوسط في نفس الأمر ، والصّغرى تدلّ على صدق الأوسط فلا نسلّم أنّه يلزم من صدق المقدّمتين ملازمة الأكبر للأصغر وإنّما يلزم ذلك لو بقيت الملازمة بين الأوسط والأكبر على ذلك التقدير لازمة. ولك أن تعتبر مثل هذا في الآية الكريمة فتنزّل قوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) على أنّ التولّي لازم للإسماع في نفس الأمر و (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) على أنّ الإسماع ثابت على تقدير ثبوت (عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) فلا يلزم من ذلك : (لو علم الله فيهم خيرا لتولوا) لأنّ (عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) محال فجاز أن يستلزم صدقه رفع التلازم في قوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) ومعاندة اللازم فيه لأنّ المحال فيه يستلزم المحال.
الجواب الثالث : سلّمنا إنتاج القياس المؤلّف من متّصلتين كما هو رأي الإمام ومن قبله لكن لا نسلّم أنّ في اللازم عنه في الآية الكريمة إشكالا فإنّه يصدق لو علم الله فيهم خيرا لتولّوا على دعوى أنّ تولّيهم ثابت على كلّ تقدير ، فثبت على تقدير علم الله فيهم خيرا لتولّوا. فإن قلت : فعلم الله فيهم خيرا لازم لعدم التولّي فيكون ملزوما له. قلت : لأنّ علم الله فيهم خيرا محال فيجوز أن يستلزم شيئا ونقيضه لأنّ المحال لا يستبعد أن يستلزم المحال والله سبحانه وتعالى أعلم.
الادّكار بالمسائل الفقهيّة
لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجّاجي النحويّ رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي رحمه الله تعالى :
أما بعد : حفظك الله وأبقاك ، وهدانا وإيّاك ، ووفّقنا فيما نحاول دينا ودنيا للرّشاد ، ورزقنا علما نقرن به عملا يقرّب منه ويزلف لديه ، إنّه سميع بصير ، وعلى ما