يشاء قدير. فإنّك أذكرتني بالمسألة التي سألت عنها في البيت الذي سئل الكسائيّ عنه ، وهو قوله : [الطويل]
٧٦٩ ـ فأنت طلاق والطّلاق عزيمة |
|
ثلاثا ومن يخرق أعقّ وأظلم |
وتفسيري وجه الطلاق النصب في ثلاث مسائل فقهيّة من العربية يتلاقى بها النحويّون ويسأل عنها متأدّبو الفقهاء. وكنت جمعتها قديما ؛ منها مسائل ذكر لي أبو بكر محمّد بن أحمد بن منصور المعروف بالخيّاط النحويّ أنّه اجتمع هو وأبو الحسن بن كيسان مع أبي العبّاس ثعلب على تلخيصها وتقريرها ، ومنها مسائل ذكر لي أنّ أبا العبّاس ثعلبا أفاده إيّاها ، ومنها مسائل منثورة جمعت بعضها عن شيوخي شفاها ، وبعضها مستنبط من كتبهم ، فأحببت أن أجمعها في هذا الكتاب وأسمّيه :
كتاب الادّكار بالمسائل الفقهيّة ، فاعتمدت ذلك حين نشّطتني له ، فجمعتها فيه كلّها ، وما اتّصل بها وجانسها ، ومسألة الكسائي التي جرى ذكرها ، وجعلته نهاية في الاختصار ، موجزا غاية الإيجاز لئلّا يطول فيملّ ، ويكثر فيضجر ، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مسائل الجزاء
المسألة الأولى : قال : إذا قال الرجل لامرأته : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق ثلاثا فهذه لا تطلق حتى تبدأ بالسؤال ثم يعدها ثمّ يعطيها بعد العدة ؛ لأنّه ابتدأ بالعطيّة واشترط لها العدة ، واشترط للعدة السؤال ، فقد جعل شرط كلّ شيء قبله ، فالعدة بعد السؤال ، والعطيّة بعد العدة ، وكذلك يقع الترتيب في الحقيقة. وليس هاهنا إضمار الفاء لأنّ جواب كلّ جزاء قد تقدّم قبله فصار مثل قولك : «أقوم إن قمت» ، ألا ترى أنّه لا يلزمك القيام حتّى يقوم مخاطبك ، وأنّ الجواب مبدوء به. وكذلك إن قال لرجل : «إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فعبدي حرّ ، فليس يعتق حتّى يبدأ بالسّؤال ثمّ يكون منه العدة ، ثمّ العطيّة ، فإن ابتدأ بالعطيّة من غير سؤال ولا عدة لم يعتق ، وكذلك المرأة لا تطلق ، وكذلك إن وعده من غير سؤال ثمّ أعطاه.
المسألة الثانية : فإن قال لها : إن سألتني إن أعطتك إن وعدتك فأنت طالق ؛ فهو مضمر للفاء في الجزاء الثاني لأنّ العطيّة لا تكون إلّا بعد السّؤال ، كأنّه قال : إن
__________________
٧٦٩ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (٣ / ٤٥٩) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٦٨) ، وشرح المفصّل (١ / ١٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٣).