المسألة الثانية عشرة : فإن قال لها : «أنت طالق» أن دخلت الدار ـ بفتح أن ـ طلقت لوقتها ؛ لأنّ المعنى : أنت طالق من أجل أن دخلت الدار ، أو لأن دخلت الدار ، فقد صار دخول الدار علّة طلاقها والسّبب الذي من أجله طلّقها ، لا شرطا لوقوع الطّلاق كما كان في باب (إن). وهي تطلق إذا فتح (أن) كانت دخلت الدّار أو لم تدخل ، فإنّ الطلاق يقع بها في وقته. وكذلك إذا شدّد (أنّ) وفتحها فقال : «أنت طالق أنّك دخلت الدار» طلقت لوقتها كانت دخلت الدّار أو لم تكن دخلت.
وشرح ذلك أنّه لو بلغه أنّها دخلت دار زيد ولم تكن دخلتها في الحقيقة فقال لها : أنت طالق ثلاثا ، فقالت له : لم طلّقتني فقال : من أجل أنّك دخلت دار زيد ، فقالت : إنّي لم أدخلها قطّ وقع الطلاق ولم يكن ذلك بمانع من وقوعه.
وكذلك إذا قال لها : «أنت طالق أن دخلت دار زيد» فكأنّه طلّقها ثمّ خبّر بالعلّة التي من أجلها طلّقها والسبب ، والإخبار بذلك لا يمنع من وقوع الطّلاق.
وكذلك لو قال لها : «أنت طالق إنّك دخلت الدار» ـ فكسر (إنّ) وشدّدها ـ طلقت وهذا لم يخبرها بالعلّة التي من أجلها طلّقها ، ولكنّه طلّقها ثمّ خبّرها بخبر منقطع من الأوّل ، وكأنّه خبّرها بما ليس ممّا هما فيه بشيء ، فالإخبار به والإمساك عنه سواء ، إذ ليس بشرط للطّلاق ولا بعلّة له. فهذا الفرق بين كسر (إنّ) وتشديدها ، وبين فتحها وتشديدها ، وفتحها وتخفيفها ، وكسرها وتخفيفها فاعلم ذلك.
المسألة الثالثة عشرة : فإن قال لها : «أنت طالق إذ دخلت دار زيد» فكأنّه قال لها : أنت طالق وقت دخولك دار زيد فيما مضى ، وهي في تقدير : أنت طالق أمس ، فالطلاق يقع بها وذكره المضيّ لغو. وهذا في اللغة كلام متناقض ، قد نقض آخره أوّله ، اللهمّ إلّا أن يكون قد طلّقها يوم دخولها دار زيد ، ثمّ خبّرها الآن بما كان منه في ذلك الوقت ، وإن كانت لم تدخل دار زيد قطّ ، فقال لها أنت طالق إذ دخلت دار زيد فكأنّه قال لها : أنت طالق أمس ، ثمّ كذب عليها بقوله : دخلت دار زيد ، فسواء هذا وقوله : «أنت طالق أمس» ، و: «أنت طالق إذ دخلت دار زيد». ولو حمل هذا على حقيقة اللّغة كان قوله : «أنت طالق إذ دخلت دار زيد» ، و: «أنت طالق أمس» كلاما مستحيلا ، لأنّه متناقض ؛ كأنّه قال : «طلّقتك أمس» ، وأمّا قوله : أطلّقك أمس فمحال ، لانتقاض أوّله بآخره. وأمّا قوله : «طلّقتك أمس» ؛ فإن كان قد فعل فقد مضى القول فيه ، وإن كان لم يفعل فإنّما كذب في إخباره ، وباب وقوع الطّلاق فيه ما يذهب إليه الفقهاء في ذلك.