موجودا ويكون العجز عن الإتيان منه بشهادة الذوق مطلقا فهو ممنوع ، لأنه إنما يشهد الذوق بلزوم ذلك إذا كان المأتيّ منه ـ أعني مثل القرآن ـ كلا له أجزاء ، والتعجيز باعتبار الإتيان بجزء منه كما قررناه سابقا ، وإن أراد أنه إنما يلزم بشهادة الذوق إذا كان المأتيّ منه كلا له أجزاء فمسلّم ، لكن كونه مرادا هاهنا ممنوع ، بل المراد هاهنا أنّ المأتيّ منه نوع من أنواع الكلام ، والتعجيز راجع إليه باعتبار الأمر بإتيان فرد آخر كما صوّرناه في مثال الياقوتة فتذكّر.
قال المدقق صاحب (الكشف) (١) في شرحه على هذا الموضع من كلام الكشاف : ويجوز أن يتعلّق ب (فأتوا) والضمير للعبد ، أمّا إذا تعلّق بسورة صفة لها فالضمير للمنزّل أو للعبد على ما ذكره وهو ظاهر ، ومن بيانية أو تبعيضية على الأول لأنّ السورة المفروضة مثل المنزّل على معنى سورة هي مثل المنزّل في حسن النظم ، أو لأنّ السورة المفروضة بعض المثل المفروض ، فالأول أبلغ ، ولا يحمل على الابتداء على غير التبعيضيّة أو البيان ، فإنّهما أيضا يرجعان إليه على ما آثر شيخنا الفاضل رحمه الله ، وابتدائية على الثاني ، وأمّا إذا تعلّق بالأمر فهي ابتدائية والضمير للعبد ، لأنّه لا يتبيّن إذ لا مبهم قبله ، وتقديره : رجوع إلى الأول ولأنّ البيانية أبدا مستقر على ما سيجيء إن شاء الله تعالى ، فلا يمكن تعلّقها بالأمر ولا تبعيض إذ الفعل يكون واقعا عليه كما في قولك : أخذت من المال ، وإتيان البعض لا معنى له ، بل الإتيان بالبعض ، فتعيّن الابتداء ، ومثل السورة والسورة نفسها إن جعل مقحما لا يصلحان مبتدأ بوجه ، فتعيّن أن يرجع الضمير إلى العبد ، وذلك لأن المعتبر في مبدئية الفعل المبدأ الفاعلي أو المادي أو الغائي أو جهة ملتبس بها ولا يصح واحد منها. فهذا ما لوّح إليه العلّامة ، وقد كفيت بهذا البيان إتمامه» ، انتهى كلامه.
وأقول : حاصل كلامه أنّه بطريق السّبر والتقسيم حكم بتعيين من للابتداء ، ثم بيّن أنّ مبدئية الفعل لا تصحّ هاهنا إلّا للعبد ، فتعيّن أن يكون الضمير راجعا إليه ، ولا يخفى أنّ قوله : «ولا تبعيض إذ الفعل حينئذ يكون واقعا عليه إلخ ..» محلّ تأمّل إذ وقوع الفعل عليه لا يلزم أن يكون بطريق الأصالة ، لم لا يجوز أن يكون بطريق التبعيّة مثل أن يكون بدلا ، فإنّكم لمّا جوّزتم أن يكون في المعنى مفعولا صريحا كما قررتم في «أخذت من الدراهم» أنّه بمعنى «أخذت بعض الدراهم» ، لم لا تجوّزون أن يكون بدلا من المفعول؟ فكأنه قال : بسورة بعض مثل ما نزّلنا ، فتكون البعضية
__________________
(١) يريد كتاب (كشف الأسرار وعدة الأبرار) تفسير فارسي للشيخ العلامة سعد الدين بن عمر التفتازاني ، انظر كشف الظنون (١٤٨٧).