نقول بلا شك إن التحدي يدلّ على أنّ السورة المأتيّ بها هي السورة المماثلة ، فإذا قيل : (مِنْ مِثْلِهِ) مقدّما حصل فيه إبهام وإجمال من حيث المقدار ، فإذا قيل بسورة تعيّن المقدار المأتي به ، وحينئذ قوله : «بسورة» لا يفيد إلّا تعيين المقدار المبهم ، إذ بعد أن فهم المماثلة من صريح الكلام تضمحلّ دلالة السياق ، فلا يلاحظ قوله بسورة إلّا من حيث أنّه تفصيل بعد الإجمال ، فلا يكون في الكلام أمر يستغنى عنه ، وأمّا إذا قيل مؤخّرا فإن جعلته وصفا للسورة فقد جعلت ما كان مفهوما بالسياق منطوقا في الكلام بعينه ، وهذا في باب النعت إذا كان لفائدة لا ينكر ، كما في قولهم : أمس الدّابر وأمثاله ، وأمّا إذا جعلت متعلّقا ب (فأتوا) فدلالة السياق باقية على حالها إذ هي مقدّمة على التصريح بالمماثلة ، ثم خرجت بذكر المماثلة ، فكأنك قلت : فأتوا بسورة من مثله من مثله مرتين على أن يكون الأول وصفا والثاني ظرفا لغوا ، وهو حشو في الكلام بلا شبهة ، فإن قلت : فما الفائدة إذا جعلناه وصفا للسورة؟ قلت : الفائدة جليلة ، وهي التصريح بمنشأ التعجيز ، فإنّه ليس إلّا وصف المماثلة ، وعند ملاحظة منشأ التعجيز أعني المثليّة يحصل الانتقال إلى أنّ القرآن معجز والحاصل أنّ الغرض من إتيان الوصف تحقيق مناط علية كون القرآن معجزا حتى يتأمّلوا بنظر الاعتبار فيرتدعوا عمّا هم فيه من الرّيب والإنكار.
هذا ما سنح في الخاطر الفاتر ، والمرجوّ من الأفاضل النظر بعين الإنصاف والتجنّب عن العناد والاعتساف ، فلعمري إنّ الغور فيه لعميق وإنّ المسلك إليه لدقيق ، والله المستعان وعليه التّكلان ، تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين.
علّة حذف الواو بين الياء والكسرة
ومن مجموع ابن القماح :
فائدة : إذا كانت الواو فاء الكلمة من الماضي فمضارعه يفعل بكسر العين لفظا أو تقديرا ، وتسقط الواو في المضارع ، مثال اللفظي : يعد ويمق من وعد وومق ، ومثال التقديري : يضع ويسع من وضع ووسع ، فالأصل في الكلّ بالواو ، فحذفت وفتحت عين الفعل للخفّة ، إذ حرف الحلق ثقيل لبعد مخرجه فهي مكسورة تقديرا ، وهو معنى قول الزمخشري : «وسقوطها فيما عينه مكسورة من مضارع فعل أو فعل لفظا أو تقديرا» (١) ، واختلفوا في علة حذف الواو بين الياء والكسرة ، فعلّله الكوفيون (٢)
__________________
(١) انظر المفصّل (ص ١٧٨).
(٢) انظر الإنصاف (ص ٧٨٢).