هل الصحيح هزّة أم فترة
وقال وقد استفتي في قول الشاعر : [الطويل]
٦١١ ـ وإنّي لتعروني لذكراك فترة |
|
كما انتفض العصفور بلّله القطر |
فقيل له : إنّ شخصين تنازعا ، فقال أحدهما : البيت هزّة ورعدة ، ولا يستقيم معنى البيت على فترة ، فسئل هل يستقيم معنى البيت على هذه الرواية وقد نقلها غير واحد ممّن يوثق بنقله عن الأمالي لأبي علي البغدادي؟ فكتب مجيبا بخطّ يده الكريمة ما هذه صورته : وهو أن يقال : يستقيم ذلك على معنيين :
أحدهما : أن يكون معنى لتعروني لترعدني أي : تجعل عندي العرواء ، وهي الرعدة ، كقولهم : عري فلان إذا أصابه ذلك ، لأنّ الفتور الذي هو السكون من الإجلال والهيبة تحصل عنده الرعدة غالبا عادة ، فيصح نسبة الإرعاد إليه ، فيكون «كما انتفض» منصوبا انتصاب قولك : «أخرجته كخروج زيد» إمّا على معنى : كإخراج خروج زيد ، وإمّا لتضمّنه معنى خرج غالبا ، فكأنه قيل : خرج ، فصحّ لذلك مثل خروج زيد ، وحسن ذلك تنبيها على حصول المطاوع الذي هو المقصود في مثل ذلك ، فيكون أبلغ من الاقتصار على المطاوع ، إذ قد يحصل المطاوع دونه ، مثل : أخرجته فلم يخرج.
والثاني : أن يكون معنى لتعروني لتأتيني وتأخذني فترة أي سكون للسرور الحاصل عن الذكرى ، وعبّر بها عن النشاط لأنّها تستلزمه غالبا تسمية للمسبّب باسم السبب ، كأنه قال : ليأخذني نشاط كنشاط العصفور ، فيكون «كما انتفض» إمّا منصوبا نصب «له صوت صوت حمار» وله وجهان :
أحدهما : أن يكون التقدير : يصوّت صوت حمار ، وإن لم يجز إظهاره استغناء عنه بما تقدّم.
والثاني : أن يكون منصوبا بما تضمّنته الجملة من معنى يصوّت. وإمّا مرفوعا صفة لفترة ، أي : نشاط مثل نشاط العصفور ، وهذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الوجه الثاني في إعراب «كما انتفض» تجري على تقدير رواية رعدة وهزة.
__________________
٦١١ ـ الشاهد لأبي صخر الهذلي في الأغاني (٥ / ١٦٩) والإنصاف (١ / ٢٥٣) ، وخزانة الأدب (٣ / ٢٥٤) ، والدرر (٣ / ٧٩) ، وشرح أشعار الهذليين (٢ / ٩٥٧) ، وشرح التصريح (١ / ٣٣٦) ، ولسان العرب (رمث) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٦٧) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٤٦) ، وأوضح المسالك (٢ / ٢٢٧) ، وشرح الأشموني (١ / ٢١٦) ، وشرح المفصّل (٢ / ٦٧) ، والمقرّب (١ / ١٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٩٤).