المطلوب له هو المتكلّم أو غيره ؛ ولهذا تقول : استغفرت لفلان كما تقول : استغفرت لنفسي ، وفي التنزيل : (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) [النساء : ٦٤] ، وتكون فائدة الاستفهام لغيرك أن يتكلّم المجيب الجواب فيسمعه من جهل فيستفيده. فقلت : لو صحّ ذلك لم يطبق العلماء على أنّ ما ورد منه في كلامه سبحانه مصروف إلى معنى آخر غير الاستفهام ، ولو كان على ما ذكر لم يستحل حمله على الظاهر ، ويكون المراد منه أنه يجيب بعض المخاطبين فيفهم الجواب من لم يكن عالما به. فإن قيل فما سبب الفرق بين طلب المغفرة مثلا وطلب الاستفهام قلت : طلب الإنسان المغفرة لغيره ممّا يقع في العادة كما يطلب لنفسه ، وأمّا طلبه لغيره أن يفهّمه الشخص المطلوب منه مع كون الطالب عالما فهو وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا تدعو الحاجة إلى إرادته غالبا ؛ فإنّ المتكلّم إذا كان عالما ، كان أسهل من طلبه من غيره تفهيم غيره أن يفهّمه هو ، فلذلك لم ينصرف إرادة الواضع إلى ذلك القصد لعدم الحاجة إليه غالبا.
الفصل الثاني : في تفسير المطلوب بأداة الاستفهام وتقسيم الأداة باعتباره : اعلم أنّ المطلوب حصوله في الذّهن إمّا تصوّر أو تصديق ، وذلك لأنّه إمّا أن يطلب حكما بنفي أو إثبات ، وهو التّصديق ، أو لا ، وهو التصوّر ، والأدوات بالنسبة إليهما ثلاثة أقسام ؛ مختصّ بطلب التصوّر ، وهو (أم) المتّصلة وجميع أسماء الاستفهام ، ومختصّ بطلب التصديق ، وهو (أم) المنقطعة و (هل) ، ومشترك بينهما ، وهو الهمزة التي لم تستعمل مع (أم) المتّصلة ، تقول في طلب التصوّر : أزيد الخارج ، فإنّ المطلوب تعيين الفاعل لا نفس النّسبة ؛ وفي طلب التصديق : «أخرج زيد» ، كذا مثّلوا ، والظاهر أنّه محتمل لذلك بأن يكون المتكلّم شاكّا في حصول النّسبة ، ومحتمل لطلب تصوّر النّسبة. وبيان ذلك أنّ المتكلّم إذا شكّ في أنّ الواقع من زيد خروج أو دخول ، فله في السؤال طرق ؛ إحداها : «أخرج زيد أم دخل» ، وجوابه بالتّعيين ، فيحصل مراده بالتّنصيص عليه. والثانية : «أخرج زيد». والثالثة : «أدخل زيد» ، فإنّه يجاب في كلّ منهما بنعم أو ب (لا) ، ويحصل له مراده. وإنّه إذا أجيب بنعم علم ثبوت ما سأل عنه ، وانتفى الفعل الذي لم يسأل عنه. وإذا أجيب ب (لا) علم انتفاء ما سأل عنه ، وثبوت ما لم يسأل عنه.
وتلخيصه : أنّ تصديق المذكور يقتضي تكذيب غيره وبالعكس ، وغرض السائل حاصل على كلّ تقدير. وغاية ما يخلف في هاتين الطريقتين أنّ السامع لا يعلم هل السائل متردّد بين نسبتين ، أو بين حصول نسبة وعدمها ، وهذا أمر خارج عمّا نحن فيه.