«إنّ هناك لإبلا أم شاء» بالنّصب ومحمل هذا عند الجماعة ـ إن ثبت ـ على إضمار فعل ، أي أم أرى شاء ، لا على العطف على اسم (إن). ولقوله رحمه الله وجه من النّظر ، وهو أنّ المنقطعة بمعنى (بل) والهمزة ؛ وقد تتجرّد لمعنى (بل) ، فإذا استعملت على هذا الوجه كانت بمنزلة (بل) ، وهي تعطف المفردات ، بل لا تعطف إلّا المفردات. فإذا لم يجب ل (أم) هذه أن تعطف المفردات ، فلا أقلّ من أن يجوز. فإن قيل : لو صحّ هذا الاعتبار لكان ذلك كثيرا كما في العطف ب (بل) ، ولم يكن نادرا ، ولا قائل بكثرته ، بل الجمهور يقولون : بامتناعه البتّة ، وابن مالك يقول بندوره ، قيل : الذي منع من كثرته أنّ تجرّد (أم) المنقطعة لمعنى الإضراب مع دخولها على مفرد لفظا قليل. وتبيّن من هذا أنّه كان ينبغي لابن مالك أن يقول : وقد تعطف المفرد إن تجرّدت عن معنى الاستفهام ، وقد يجاب بأنّه استغنى عن هذا التقييد بما هو معلوم من حكم الاستفهام بالهمزة ، وأنّه لا يدخل على المفردات ، فكذا الاستفهام ب (أم) التي هي في قوّة الهمزة و (بل). وأمّا قول الزّمخشريّ في (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا) [الواقعة : ٤٧ ـ ٤٨] : إنّ (آباؤنا) عطف على الضّمير في (مبعوثون) وساغ العطف على الضمير المرفوع المستتر للفصل بين العاطف والمعطوف عليه بالهمزة ، فمردود بما ذكرناه.
وأمّا أوجه المعنى :
فأحدها : ما أسلفناه في صدر المسألة من أنّ المتّصلة لطلب التصوّر ، والمنقطعة لطلب التصديق.
والثاني : أنّ المتّصلة تفيد معنى واحدا ، والمنقطعة تفيد معنيين غالبا ، وهما الإضراب ، والاستفهام.
والثالث : أنّ المتّصلة ملازمة لإفادة الاستفهام ، أو لازمه وهو التّسوية. والمنقطعة قد تنسلخ عنه رأسا. وسبب ذلك ما قدّمناه ، من أنّها تفيد معنيين فإذا تجرّدت عن أحدهما بقي عليها المعنى الآخر. والمتّصلة لا تفيد إلّا الاستفهام ، فلو تجرّدت عنه صارت مهملة. وممّا يدلّ على أنّ المنقطعة قد تأتي لغير الاستفهام دخولها على الاستفهام كما قدّمنا من الشواهد. وبهذا يعلم ضعف جزم النّحويّين أو أكثرهم في : «إنّها لإبل أم شاء» بأنّ التقدير : «بل أهي شاء» إذ يجوز أن يكون التقدير : «بل هي شاء» على أنّ المتكلّم أضرب عن الأول ، واستأنف إخبارا بأنّها شاء. وعلى هذا المعنى اتّجه لابن مالك أن يدّعي أنّها عاطفة مفردا على مفرد كما قدّمناه ، ويعلم أيضا غلط ابن النحويّة وغيره في استدلالهم بنحو : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ