الكلام في قول القائل : (كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل)
ومن كلامه أيضا ـ رحمه الله تعالى ـ على قول القائل : «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل».
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. اختلف في «كأنّك بالدّنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» في مواضع :
أحدها : في تعيين قائله ،
والثاني : في معنى (كأنّ).
والثالث : في توجيه الإعراب.
فأمّا قائله : فاختلف فيه على قولين :
أحدهما : أنّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
والثاني : أنّه الحسن البصريّ رحمه الله ، وقد جزم بهذا جماعة فلم يذكروا غيره منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمرون الحلبي في (شرح المفصّل) وأبو حيّان المغربيّ في (شرح التسهيل).
وأمّا معنى (كأنّ) : فاختلف فيه أيضا على قولين :
أحدهما للكوفيّين : زعموا أنّها حرف تقريب ، وليس فيها معنى التشبيه ، إذ المعنى على تقريب زوال الدنيا ، وتقريب وجود الآخرة. وجعلوا من ذلك قولهم : «كأنّك بالشتاء مقبل ، وكأنّك بالفرج آت». وهذا تستعمله الناس في محاوراتهم ، ويقصدونه كثيرا ، يقولون : «كأنّك بفلان قد جاء».
والثاني للبصريّين : زعموا أنّها حرف تشبيه ، مثلها في قولك : كأنّ زيدا أسد. ولم يثبتوا مجيئها للتّقريب أصلا ، والمعنى : كأنّ حالتك في الدنيا حال من لم يكن فيها ، وكأنّ حالك في الآخرة حال من لم يزل بها. فالمشبّه والمشبّه به الحالتان لا الشخص والفعل الذي هو الجنس.
وإيضاح هذا : أنّ الدّنيا لمّا كانت إلى اضمحلال وزوال ، كان وجود الشّخص بها كلا وجود ، وأنّ الآخرة لمّا كانت إلى بقاء ودوام ، كان الشخص كأنّه لم يزل فيها. لا وشكّ أنّ المعنى المشهور ل (كأن) هو التشبيه ، فمهما أمكن الحمل عليه لا ينبغي العدول عنه ، وقد أمكن على وجه ظاهر فانبغى المصير إليه.
وأمّا توجيه الإعراب ، وهو الذي يسأل عنه ، فاضطربت أقوال النحويين فيه اضطرابا كثيرا. والذي يحضرني الآن من ذلك أقوال :