وأقول : لا يمتنع التعبير بالعبارات المجملة ، عند التمكّن من العبارات المعيّنة للمعنى المراد. والعطف إنّما يخلّ بالتنصيص على معنى المعيّة لإفادتها مطلقا ، فإنّ أحد محتملات الواو العاطفة معنى المعيّة. وإنّما تتعيّن العبارة التي لا تحتمل غير المراد إذا أريد التنصيص على ذلك المعنى ، ولم تحتف بالكلام قرينة ترشد إليه.
وقد جوّزوا لقاصد نفي الجنس ب «لا» على سبيل الإجمال أن يعملها عمل (ليس) ، وأوجبوا إعمالها عمل (إنّ) إذا أريد التنصيص (١). وجوّز سيبويه والمحقّقون لمن قال : «طالني زيد» و «جاءني عمرو» إذا بناهما للمفعول إن يخلص الضمّ والكسر وأن يشمّ (٢). والذي يقتضيه النظر أنّه تتعيّن العبارة الناصّة إذا أريد التنصيص ، والمجملة إذا أريد الإجمال ، ويجوز الأمران إذا لم يرد أحد الأمرين بعينه ، وتترجّح الناصّة حينئذ على المجملة. ولم يمش ابن مالك في ذلك على قاعدة ، لأنّه قال في نحو : «جاءني» بوجوب الإشمام أو الضمّ ، وفي نحو «طالني» : بوجوب الإشمام أو الكسر. وقال في باب «لا» : يجوز إلحاقها ب (ليس) إن لم يرد التنصيص على العموم. وقال في المفعول معه برجحان النصب إذا خيف بالعطف فوات ما يضرّ فواته. ثم قال :
السؤال السادس : «وما وجه تقسيمهم مسائل الباب إلى ما يجب نصبه ، وإلى ما يرجح ذلك فيه ، وإلى ما يرجح عطفه ، مع أنّهم يقولون : إنّ المفعول معه لا بدّ أن يدخله معنى المفعول به ، وقد سمّاه سيبويه بذلك ، ومقتضى هذا أنّه يتعيّن النصب عند قصد هذا المعنى ، إذا وجد المسوّغ اللفظي ، فكيف يحكم برجحانه على العطف في بعض الصور؟ بل كيف يحكم بتساوي الأمرين في بعضها أيضا؟ فإن قيل : الحكم بما ذكر إنّما هو بالنظر إلى صور التراكيب اللفظية وإن اختلف المعنيان ، أشكل حينئذ كلام ابن مالك رحمه الله تعالى ـ حيث حكم برجحان العطف حيث أمكن ذلك بلا ضعف. وهذه العبارة يندرج تحتها نحو : «قام زيد وعمرو» وهذا التركيب إن نظرنا إليه مع قطع النظر عمّا يقصد من المعنى ، يقتضي تساوي الأمرين كما قال (٣) أبو الحسن بن عصفور. فما وجه كلام ابن مالك وهل يتمّ كلامه فتجيء الصور في هذا الباب خمسا أو لا يتمّ فتكون أربعا.
وأقول : أمّا ما تضمّنه صدر السؤال من الإشكال فقد ذكر في أثنائه ما يرفعه ،
__________________
(١) انظر شرح شذور الذهب (ص ٢٠٩) ، وأوضح المسالك (١ / ٢٧٤) ، والمغني (ص ٢٦٤).
(٢) انظر الكتاب (٤ / ٤٨٦).
(٣) انظر المقرّب (١ / ١٥٩).