بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)
هذه مسألة من كلام شيخنا العالم العلّامة جمال الدّين عبد الله بن يوسف بن هشام رحمه الله في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].
قال : يجوز في الظّرفين أربعة أوجه (١) :
أحدها : أن يكون الأوّل خبرا ، والثاني متعلّقا به.
والثاني : عكسه وهو أن يكون الثاني خبرا ، والأوّل متعلّقا به. ولا يمنع هذا تقدّم الظرف على عامله المعنويّ فإنّ ذلك جائز باتّفاق كقولهم : «أكلّ يوم لك ثوب».
الثالث : أن يكونا خبرين ، وذلك عند من يجيز تعدّد الخبر.
والرابع : أن يكون الأوّل خبرا ، والثاني حالا. وهذا الوجه أيضا ممّا لا يختلف في جوازه. وربّما سبق إلى الذهن أنّ فيه خلافا ، وليس كذلك ، لتقدّم العامل وهو الظّرف ، وتأخّر المعمول وهو الحال ، فهو نظير قولك : «في الدّار جالسا زيد» (٢) وفي : «هجر مسقرّا سعيد». وهذا ممّا لا شكّ في جوازه.
ويبقى وجه خامس : وهو عكس هذا ، أعني أن يكون الأوّل حالا ، والثاني خبرا ، فهذا نصوص النحويّين متظافرة على منعه. جماعة منهم حكوا الإجماع على ذلك.
قال ابن مالك في (شرح الكافية) : «... ولو قدّمت الحال على العامل الظّرفيّ ، وعلى صاحبها ، لم يجز بإجماع ...». وقال الأبّدي في شرحه الكبير على (الجزوليّة) : «أجاز أبو الحسن تقدّم الحال المعمولة للظّرف مع توسّط الحال بين المبتدأ والخبر. ومنع ذلك مع التقّديم ووجه قوله : أنّ المبتدأ طالب للخبر ، فإذا تقدّم كان الخبر في نيّة التّقديم إلى جانبه فكأنّ الحال مؤخّرة عنهما ولهذا امتنع بالإجماع أن تتقدم عليهما جميعا» انتهى كلامه ملخّصا.
وقال ابن عصفور في (شرح الإيضاح) : «اتّفق البصريّون على امتناع التّقديم عليهما جميعا». فقوله «البصريون» دخل فيهم الأخفش ، لأنّه من أئمّة البصريّين
__________________
(١) انظر إملاء العكبري (١ / ٤٨).
(٢) انظر الأشموني (١ / ٤٢٧).