اعتراض الشّرط على الشّرط ، أنّ ذلك لا يكون في أكثر من شرطين ، وليس كذلك ، ولا هو مرادهم. ولنحقّق أوّلا الصورة التي يقال فيها في اصطلاحهم : اعتراض الشّرط على الشّرط ـ فإن ذلك ممّا يقع فيه الالتباس والغلط ؛ فقد وقع ذلك لجماعة من النّحاة والمفسّرين ـ ثمّ تكلّم على البحث في ذلك والخلاف في جوازه وتوجيهه.
فنقول : ليس من اعتراض الشّرط على الشّرط واحدة من هذه المسائل الخمس التي سنذكرها :
أحدها : أن يكون الشّرط الأوّل مقترنا بجوابه ، ثمّ يأتي الشّرط الثاني بعد ذلك ، كقوله سبحانه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨٤] خلافا لمن غلط فيه فجعله من الاعتراض. وقائل هذا من الحقّ على مراحل ؛ لأنّه إذا ذكر جواب الأوّل تاليا له ، فأيّ اعتراض هنا؟
الثّانية : أن يقترن الثّاني بفاء الجواب لفظا نحو : إن تكلّم زيد فإن أجاد فأحسن إليه ؛ لأنّ الشّرط الثاني وجوابه جواب الأوّل.
الثالثة : أن يقترن بها تقديرا نحو (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الواقعة : ٨٨] ، خلافا لمن استدلّ بذلك على تعارض الشّرطين ، لأنّ الأصل عند النّحاة : مهما يكن من شيء فإن كان المتوفّى من المقرّبين فجزاؤه روح ، فحذفت (مهما) وجملة شرطها ، وأنيبت عنها (أمّا) فصار : (أمّا فإن كان). ففرّوا من ذلك لوجهين :
أحدهما : أنّ الجواب لا يلي أداة الشّرط بغير فاصل.
والثّاني : أنّ الفاء في الأصل للعطف ، فحقّها أن تقع بين شيئين ، وهما المتعاطفان ، فلمّا أخرجوها في باب الشّرط عن العطف ، حفظوا عليها المعنى الآخر ، وهو التوسّط موجوب أن يقدّم شيء ممّا في حيّزها عليها إصلاحا للّفظ. فقدّمت جملة الشّرط الثّاني لأنّها كالجزء الواحد ؛ كما قدّم المفعول في (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، فصار : أمّا إن كان من المقرّبين فروح ، فحذفت الفاء التي هي جواب (إن) ، لئلا تلتقي فاءان. فتلخّص أنّ جواب (أمّا) ليس محذوفا ، بل مقدّما بعضه على الفاء ، فلا اعتراض.
الرابعة : أن يعطف على فعل الشّرط شرط آخر كقوله سبحانه وتعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمد : ٣٦ ـ ٣٧] ، ويفهم من كلام ابن مالك أنّ هذا من اعتراض الشّرط على الشّرط ، وليس بشيء.