وقد استعمل ذلك الإمام أبو بكر بن دريد ـ رحمه الله ـ في مقصورته حيث يقول : [الرجز]
٦٢٦ ـ فإن عثرت بعدها إن وألت |
|
نفسي من هاتا فقولا لا لعا |
وإذ قد عرفت صورة المسألة وما فيها من الخلاف ، وأنّ الصحيح جوازها ، فاعلم أنّ المجيزين لها اختلفوا في تحقيق ما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشّرطين على ثلاثة مذاهب فيما بلغنا :
أحدها : أنّه إنّما يقع بمجموع أمرين ، أحدهما : حصول كلّ من الشّرطين ، والآخر : كون الشّرط الثاني واقعا قبل وقوع الأوّل ، فإذا قيل : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق».
فإن ركبت فقط ، أو لبست فقط ، أو ركبت ثمّ لبست لم تطلق فيهنّ ؛ وإن لبست ثمّ ركبت طلقت. هذا قول جمهور النحويّين والفقهاء. وقد اختلف النحويّون في تأويله على قولين :
أحدهما : قول الجمهور : أنّ الجواب المذكور للأوّل ، وجوب الثاني محذوف لدلالة الأوّل وجوابه عليه. الدليل على أنّ الشّرط الأوّل وجوابه يدلّان على جواب الشّرط (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨٤] ، فهذا بتقدير : إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكّلوا ، فحذف الجواب لدلالة ما تقدّم عليه ، وهذا القول من الحسن بمكان ، لأنّ القاعدة أنّه إذا توارد ـ في غير مسألتنا ـ على جواب واحد شيئان كلّ منهما يقتضي جوابا ، كان الجواب المذكور للأوّل ، كقولك : «والله إن تأتني لأكرمنّك» ـ بالتّأكيد ـ جوابا للأوّل ، و «وإن تأتني والله أكرمك» ـ بالجزم ـ جوابا للشّرط. وكذا القياس يقتضي في مسألة توارد شرط على شرط أن يكون الجواب للسابق منهما ، ويكون جواب الثاني محذوفا لدلالة الأوّل وجوابه عليه ، فمن ثمّ لزم في وقوع المعلّق ـ على ذلك ـ أن يكون الثاني واقعا قبل الأوّل ضرورة لأنّ الأوّل قائم مقام الجواب ، حتى إنّ الكوفيّين وأبا زيد والمبرّد ـ رحمهم الله ـ يزعمون في نحو «أنت ظالم إن فعلت» (٢) أنّ السابق على الأداة هو الجواب لا دليل على الجواب ، الجواب لا بدّ من تأخّره على الشّرط لأنّه أثره ومسبّبه ، فكذلك الدليل على الجواب ، لأنه قائم مقامه ومغن في اللفظ عنه.
__________________
٦٢٦ ـ الشاهد لابن دريد في مقصورته شرح التبريزي (ص ٥٢) ، والمغني (ص ٦٨٠) ، والخزانة (٤ / ٥٤٨).
(١) انظر الكتاب (٣ / ٩١) ، والمغني (ص ٦٨٧) ، والخصائص (١ / ٢٨٣).