على ذلك أنّ النحويين يجيزون : مررت برجل قائم زيد وأبوه ، ولا يجيزون : مررت برجل قائم زيد وقائم أبوه ، لأنّ الكلام الأوّل جملة واحدة ، فاكتفي فيها بضمير واحد يعود إلى الموصوف ، والثانية تجري مجرى جملتين ، فلا بدّ في كل واحدة منهما من ضمير ، وكذلك يجيزون : زيد قام عمر وأبوه ، ولا يجيزون : زيد قام عمر وقام أبوه ، لتعرّي الجملة الواحدة من ضمير يعود إلى المبتدأ.
الكلام في قوله تعالى : (وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)
سألت عن قول الله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ١٨٣] ، وقلت بأيّ شيء انتصب «قائما» وما العامل فيه؟ وأين خبر التبرئة من هذه الآية؟ وذكرت أنّ بعض المنتحلين لصناعة النحو أنكر قولنا : إنّ «قائما» هاهنا منصوب على الحال ، وزعم أنه كفر من قائله ، وإنما قال ذلك فيما يرى لأنّ الحال فيما ذكر النحويون منتقلة وفضلة في الكلام ، والقيام بالقسط صفة لله تعالى لم يزل موصوفا بها ولا يزال ، ولا يصحّ فيها الانتقال ، ونحن نربأ بأنفسنا أن نكون ممّن يجهل ما يوصف به الله تعالى فنصفه بما لا يجوز ، أو يغيب عنّا هذا المقدار من علم اللسان ، وإنما أتي هذا المعترض من قلّة بصره بهذه الصناعة وسوء فهمه لباب الحال ، وقد أجبتك عن ذلك بما فيه كفاية وإقناع ، وبالله أستعين وعليه أتوكّل.
أما خبر التبرئة في هذه الآية فمحذوف تقديره عند البصريين لا إله في الوجود إلّا هو ، أو لا إله موجود إلّا هو ، ونحو ذلك من التقدير ، وخبر التبرئة قد يحذف إذا كان في الكلام دليل عليه ، كقولهم : لا بأس يريدون : لا بأس عليك وكقول عبد يغوث الحارثي : [الطويل]
٥٧٧ ـ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن |
|
نداماي من نجران أن لا تلاقيا |
أراد أنه لا تلاقي لنا ، وقوله : «هو» بدل من موضع لا وما عملت فيه لأنّ التبرئة وما تعمل فيه في موضع رفع على الابتداء ، وهي في ذلك بمنزلة إنّ وما تعمل فيه ،
__________________
٥٧٧ ـ الشاهد لعبد يغوث بن وقاص في الكتاب (٢ / ٢٠١) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٩٤) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ٧٦٧) ، وشرح التصريح (٢ / ١٦٧) ، وشرح المفصّل (١ / ١٢٨) ، والعقد الفريد (٥ / ٢٢٩) ، ولسان العرب (عرض) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٠٦) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١ / ٤١٣) ، ورصف المباني (ص ١٣٧) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٤٥) ، وشرح ابن عقيل (ص ٥١٥) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٠٣) ، والمقتضب (٤ / ٢٠٤).