[العنكبوت : ٤٤] : إن (السماوات) مفعول به والصواب أنّه مفعول مطلق ، لأنّ المفعول ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد كقولك : ضربت ضربا ، والمفعول به ما لا يقع عليه ذلك إلّا مقيّدا بقولك : (به) ، كضربت زيدا. وأنت لو قلت : (السماوات) مفعول كما تقول (الضرب) مفعول كان صحيحا ، ولو قلت (السماوات) مفعول به كما تقول (زيد) مفعول به لم يصحّ.
«إيضاح آخر» : المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ، ثمّ أوقع الفاعل به فعلا ، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده ، والذي غرّ أكثر النحويّين في هذه المسألة أنّهم يمثّلون المفعول المطلق بأفعال العباد ، وهم إنّما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات ، فتوهّموا أنّ المفعول المطلق لا يكون إلّا حدثا ولو مثّلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنّه لا يختصّ بذلك لأنّ الله تعالى موجد للأفعال وللذّوات جميعا ، لا موجد لها في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى. وممّن قال بهذا القول الذي ذكرته الجرجانيّ ، وابن الحاجب في (أماليه).
وكذا البحث في : «أنشأت كتابا» ، و «عمل فلان خيرا». و (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ*) [البقرة : ٢٥ ـ ٨٢ ـ ٢٧٧]» انتهى.
وقال ابن الحاجب في (أماليه)
قولهم : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ :) من قال إنّ الخلق هو المخلوق فواجب أن تكون السماوات مفعولا مطلقا لبيان النّوع ، إذ حقيقة المصدر المسمّى بالمفعول المطلق أن يكون اسما لما دلّ عليه فعل الفاعل المذكور ، وهذا كذلك لأنّا بنينا على أنّ المخلوق هو الخلق ، فلا فرق بين قولك : خلق الله خلقا وبين قولك : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) إلّا ما في الأوّل من الإطلاق وفي الثاني من التخصيص ، فهو مثل قولك : قعدت قعودا ، وقعدت القرفصاء ، فإنّ أحدهما للتأكيد والثاني لبيان النوع ، وإن استويا في حقيقة المصدريّة ، وهذا أمر مقطوع به بعد إثبات أنّ المخلوق هو الخلق.
ومن قال إنّ المخلوق غير الخلق وإنّما هو متعلّق الخلق ، وجب أن يقول : إنّ السماوات مفعول به ، مثله في قولك : ضربت زيدا ، ولكنّه غير مستقيم لأنّه لا يستقيم أن يكون المخلوق متعلّق الخلق ، لأنّه لو كان متعلّقا له لم يخل أن يكون الخلق المتعلّق قديما أو مخلوقا ، فإن كان مخلوقا تسلسل فكان باطلا ، وإن كان قديما فباطل ، لأنه يجب أن يكون متعلّقه معه ، إذ خلق ولا مخلوق محال ، فيؤدّي إلى أن تكون المخلوقات أزليّة وهو باطل ، فصار القول بأنّ الخلق غير المخلوق يلزم