الأفعال وليست مفعولة ؛ وإنّما هي مفعول بها. ومن ضرورة قولنا (مفعول به) أن يكون المفعول غيره ، ومعنى قوله النّحاة مفعول به : أنّه مفعول به شيء من الأحداث ، والمفعول هو ذلك الحدث الواقع به ، وهو المصدر ، وسمّاه النحاة مفعولا مطلقا ، بمعنى أنّ ما سواه من المفاعيل مفعول مقيّد ؛ فإنّك تقول مفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول له ، ومفعول معه ؛ وليس فيها مفعول نفسه إلّا المصدر ، فهو المفعول المطلق أي المجرّد عن القيود ، وهو الصادر عن الفاعل وهو نفس فعله ؛ وأمّا المضروب والمأكول والمشروب فلم يصدر عن الفاعل وإنما صدر عن الفاعل شيء أثّر فيه ،. ومن تدبّر قول النحاة : «مفعول به» ، عرف ذلك وأنّ المفعول غيره. وأطلقوا عليه «اسم مفعول» ولم يقولوا : «اسم مفعول به» لفهم المعنى في ذلك ؛ والشخص في نفسه مضروب بمعنى أنّ الضرب واقع به ، ولا يقال مضروب به ، بل هو مضروب نفسه ، والمعنى وقوع الضرب به ، وذلك مفهوم من معنى الفعل لا من معنى اسم المفعول. ولا يبنى اسم مفعول للمصدر ، وإن كان هو المفعول المطلق ، فلا يقال للضّرب مضروب ؛ وكذلك لا يبنى اسم مفعول من الفعل اللازم إلّا أن يكون مقيّدا بظرف ونحوه. وهذه الأمور كلّها واضحة من مبادئ النحو ، أشهر من أن تذكر ، ولكنّا احتجنا إلى ذكرها ، وكلّ فعل لم يبن منه اسم مفعول لم يقل عنه إنّه متعدّ بل هو لازم وإن كان له مفعول حقيقيّ وهو الفعل ، والعمل هو الفعل ، وهو المفعول المطلق ، فهو مصدر وليس مفعولا به ، ولا يبنى له اسم مفعول فلا يتعدّى فعله إليه تعدّي الفعل إلى المفعول به ، بل تعدّيه إلى المصدر ، فلذلك لم يجز أن يكون «عملت عملا صالحا» متعدّيا إلى (صالحا) على المفعول به.
الثاني : أنّ الفعل الاصطلاحي يدلّ على معنى وزمان ، وذلك المعني سمّاه النّحاة حدثا وفعلا حقيقيّا ، وسمّوا اللفظ الدالّ عليه مصدرا ومفعولا مطلقا. وهذه الألفاظ صحيحة باعتبار غالب الأفعال ؛ وقد يكون المعنى الذي يدلّ عليه الفعل قائما بالفاعل فقط ، من غير أن يكون صادرا عنه كالعلم ؛ بل قد لا يكون حدثا أصلا ، ولا فعلا حقيقيّا كالعلم القديم ؛ فإنّك تقول : «علم الله كذا» ، فالمعنى الذي يدلّ عليه هذا الفعل ـ وهو العلم القديم ـ ليس بفعل ولا مفعول ولا حدث ، بل هو معنى قائم بالذات المقدّسة على مذهب أهل السّنّة. وتسمية ما اشتقّ منه فعلا أمر اصطلاحيّ ؛ وقصدي من هذا التنبيه على أنّ تسمية النحاة المصدر مفعولا مطلقا وفعلا ليس مطّردا في جميع موارده. وقد تنبّه بعض النّحاة لما ذكرنا من غير أن يوضّحه هذا الإيضاح بل اقتصر على تقسيم المصدر إلى معنى قائم بالفاعل كالفهم والحذر ، وإلى صادر عنه كالضّرب والخطّ وإن كان الضرب والخطّ قائمين بالفاعل