أيضا ، ولم يطلق النّحاة المفعول المطلق على غير ذلك ، وقد ذكرنا أنّ المفعول به شيء وقع عليه المفعول المطلق كما ذكره النّحاة وليس مفعولا ، وإذا نظرت إليه في قولك «ضربت زيدا» ونحوه ظهر ذلك ظهورا قويّا ؛ فإنّ زيدا ليست ذاته من فعل الضّارب.
وهنا قسم آخر وهو قولنا : «خلق الله العالم» اختار ابن الحاجب في (أماليه) انتصاب العالم على المصدر بناء على أنّ الخلق هو المخلوق. وأكثر النحويّين لم ينظروا إلى ذلك وظاهر كلامهم أنّ الخلق غير المخلوق ، كما هو قول طائفة من الأصوليّين ؛ وعلى هذا فالعالم مفعول به ، وهو مفعول لأنّه الأثر الصادر عن الخلق ، وذات العالم موجودة بالفاعل ، بخلاف ذات المضروب ، والنحاة لا يسمّون هذا مفعولا مطلقا ، وإنّما يسمونه مفعولا به ، والخلق نفسه هو المفعول المطلق ، وكذلك في الأفعال العامة كقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] فالضمير في عملت مفعول به وهو مفعول كالمخلوق ، ولم يذكر النحاة هذا النوع في المفاعيل ؛ والظاهر أنّ النحاة إنّما اقتصروا على ما ذكروه من المفاعيل لأنّ العالم وإن كانت ذاته موجودة بفعل الله تعالى ، فالخلق واقع به ، فاندرج تحت حدّهم المفعول به ، وإن زاد بأمر آخر ، وهو كون ذاته موجودة بفعل الله تعالى. ولم يتعرّض النحاة لهذا الزائد لأنه ليس من صناعتهم ، ولا حاجة لهم إلى ذكره ، لكن يلزم على هذا أن يكون لنا مفعول من غير تقييد ليس بمصدر ، وهم قد قالوا : إنّ المفعول المطلق هو المصدر ، فيجب أن يقال : إنّ في تفسيرهم المفعول المطلق تسمّحا أو اصطلاحا ، وإنّ المفعول هو الذي نشأ عن الفاعل ، فتارة يكون هو الفعل خاصة ، وهو المصدر ؛ وتارة يكون زائدا عليه كهذا المثال. ويحتمل أن يقال إنّ كثيرا من النحاة معتزلة وعند المعتزلة المعدوم شيء ، بمعنى أنّه ذات متقرّرة في العدم فلا تأثير للفاعل في ذاته ، وإبرازه للوجود معنى واقع عليه كالضرب على المضروب. ومنهم من أطلق ذلك عن عمد واعتزال ، ومنهم من قاله تقليدا ، وهكذا الكلام في : «أوجد الله العالم» ، ونحوه من الألفاظ الدالة على إنشاء الذّوات. وهذا الذي قلناه كله على الاصطلاح المشهور عند متأخّري النّحاة ؛ وأما سيبويه رحمه الله ـ وهو إمام الصنعة ـ فأطلق على المفعول به أنه مفعول ولم أر في كلامه «مفعول به» ، فإنه قال : «باب الفاعل الذي لم يتعدّه فعله إلى مفعول» (١) و «باب الفاعل الذي يتعدّاة فعله إلى مفعول» (٢). وذكر في الأول :
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٦٧).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٦٨).