له ، وجوّز الزّمخشري فيه أن يكون مفعولا به على المشاكلة ، وفيه مجاز. وأمّا قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) [طه : ١١٢] وما أشبه ذلك فكلّها ترجع إلى المصدر.
الحادي عشر : إنّما فرّقنا بين الأفعال العامة والخاصة لأنّ تعدّي الفعل إلى المفعول معناه وصول معناه إليه ، فالفعل الخاصّ كالضرب مثلا تعدّيه بوصول الضرب إلى المضروب ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الضارب مؤثّرا في ذات المضروب ـ أعني موجدا لها ـ ، والفعل العامّ كعمل مثلا تعدّيه بوصول معناه ، وهو العمل ، والعمل معنى عامّ في الذات وصفاتها فلذلك اقتضي العموم واتحاد المعمول حتّى يقوم دليل على خلافه. فمثار الفرق إنّما هو من معاني الأفعال ووصولها إلى المفعول.
الثاني عشر : من الأفعال نوع آخر مثل (قال) وهو لفظ يخفى فيه الفرق بين القول والمقول واللفظ والملفوظ ؛ لأنّ المقول والملفوظ هو الأصوات والحروف المقطّعة وهي القول واللفظ. والوجه في الفرق بينهما أنّ هنا أمرين : أحدهما حركة اللسان ونحوه مما فيه مقاطع الحروف بتلك الحروف. والثاني : نفس تلك الحروف المقطّعة المسموعة التي هي كيفيات تعرض للصّوت الخارج بتلك الحركات. فالأول هو التلفظ وهو القول واللفظ اللذان هما مصدران ، والثاني : هو المقول والملفوظ ، فإذا قلت : لفظت لفظا ، أو قلت قولا ، لك أن تريد الأول فتنصب اللفظ والقول على المصدرية ، ولك أن تريد الثاني فتنصبهما على المفعول به ، وهما أمران متغايران وإن لم يتجاوزا الفاعل وهو اللافظ القائل المتكلّم ، وليس من شرط تعدّي الفعل أن يتجاوز إلى محل غير الفاعل ، بل الشرط المغايرة سواء تجاوز في محله أو في غير محله.
هذا ما انتهى إليه نظري في هذه المسألة.
الكلام في قولهم في مثل : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)
أورد الشيخ عبد القاهر الجرجاني على قولهم في مثل : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) [العنكبوت : ٤٤] : «إنّ السماوات : مفعول به» إيرادا هو أنّ المفعول به عبارة عمّا كان موجودا فأوجد الفاعل فيه شيئا آخر ، نحو : ضربت زيدا ، فإنّ زيدا كان موجودا والفاعل أوجد فيه الضرب. والمفعول المطلق هو الذي لم يكن موجودا ، بل عدما محضا ، والفاعل يوجده ويخرجه من العدم. والسماوات في هذا التركيب إنّما كان عدما محضا فأخرجها الله تعالى من العدم إلى الوجود. انتهى.