باب محل (الحركات من الحروف) معها أم قبلها أم بعدها
أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف. وقال غيره : معه وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله.
قال أبو علىّ : وسبب هذا الخلاف لطف الأمر وغموض الحال. فإذا كان هذا أمرا يعرض للمحسوس الذى إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفا ، وبالتوقف فيه لبسا.
فممّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول فى الآخر ؛ نحو الملل والضفف (١) والمشش (٢) ؛ كما تفصل الألف بعدها بينهما ؛ نحو الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت ، فلن تخلو حركة الأول من أن تكون قبله ، أو معه ، أو بعده.
فلو كانت فى الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام ؛ ألا ترى أن الحرف المحرّك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر.
ونحو من ذلك قولهم : ميزان وميعاد ؛ فقلب الواو ياء يدلّ على أن الكسرة لم يحدث قبل الميم ؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو ، فكان يجب أن يقال : موزان وموعاد. وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التى تجاورها من قبلها ، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها ، وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضا فلو كانت قبل حرفها لبطل الإدغام فى الكلام ؛ لأن حركة الثانى كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح.
فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرك بها من حيث أرينا ، وعلى ما أوضحنا وشرحنا ، بقى سوى مذهب سيبويه أن يظنّ بها أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه.
__________________
(١) الضفف : من معانيه كثرة العيال.
(٢) المشش : من معانيه بياض يعترى الإبل فى عيونها.