فى أن المراد به معنى الكثرة. وذلك أمدح ؛ لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل بمراجل الحىّ أجمع ، فما ظنك به لو نزل به الضيفان الكثيرون!
فإن قيل : فلم أنّث المصدر أصلا؟ وما الذى سوّغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس ، وكلاهما إلى التذكير ، حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك : إنه أصل ، وإن الأصول تحمل ما لا تحمله الفروع؟.
قيل : علّة جواز تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أنّ المصادر أجناس للمعانى ، (كما غيرها) أجناس للأعيان ؛ نحو رجل ، وفرس ، وغلام ، ودار ، وبستان. فكما أن أسماء أجناس الأعيان قد تأتى مؤنّثة الألفاظ ، ولا حقيقة تأنيث فى معناها ؛ نحو غرفة ، ومشرقة ، وعلّية ، ومروحة ، ومقرمة (١) ؛ كذلك جاءت أيضا أجناس المعانى مؤنّثا بعضها لفظا لا معنى. وذلك نحو المحمدة ، والموجدة ، والرشاقة ، والجباسة ، والضئولة ، والجهومة.
نعم ، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على مصدريّته غير موصوف به ، لم يكن تأنيثه وجمعه ، وقد ورد وصفا على المحلّ الذى من عادته أن يفرق فيه بين مذكّره ومؤنثه ، وواحده وجماعته ، قبيحا ولا مستكرها ؛ أعنى ضيفة وخصمة ، وأضيافا وخصوما ؛ وإن كان التذكير والإفراد أقوى فى اللغة ، وأعلى فى الصنعة ؛ قال الله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) [ص : ٢١].
وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لمّا وصفت بالمصدر أردت المبالغة بذلك ، فكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكّد ذلك بترك التأنيث والجمع ؛ كما يجب للمصدر فى أوّل أحواله ؛ ألا ترى أنك إذا أنّثت وجمعت سلكت به مذهب الصفة الحقيقيّة التى لا معنى للمبالغة فيها ، نحو قائمة ، ومنطلقة ، وضاربات ، ومكرمات.
__________________
، ـ ـ وخزانة الأدب ٨ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٧١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٢١ ، وشرح المفصل ٥ / ١٠ ، والكتاب ٣ / ٥٧٨ ، ولسان العرب (جدا) ، والمحتسب ١ / ١٨٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٢٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١٣٥ ، والمقتضب ٢ / ١٨٨. وصدر البيت :
*لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى*
(١) مقرمة : هى ستر رقيق.