ومدارج القول ؛ فلذلك كانت حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف.
ويدلّك على أن حركة الآخر قد تعتدّ لازمة وإن كانت فى الوقف مستهلكة أنك تقلب حرف اللين لها وللحركة قبله ، فتقول : عصا ، وقفا ، وفتى ، ودعا ، وغزا ، ورمى ؛ كما تقلبه وسطا لحركته وحركة ما قبله ؛ نحو دار ، ونار ، وعاب ، وقال : وقام ، وباع.
فإن قلت : فإنّ الجزم قد يدرك الفعل فيسكّن فى الوصل ؛ نحو لم يضرب أمس ، واضرب غدا ، وما كان كذلك.
قيل : إن الجزم لمّا كان ثانيا للرفع وإعرابا كالنصب فى ذينك جرى الانتقال إليه عن الرفع مجرى الانتقال عن الرفع إلى النصب ، وحمل الجزم فى ذلك على النصب ؛ كما حمل النصب على الجزم فى الحرف ؛ نحو لن يقوما ، وأريد أن تذهبوا ، وتنطلقى. قال أبو علىّ : وقد كان ينبغى أن تثبت النون مع النصب لثبات الحركة فى الواحد. فهذا فرق وعذر.
فهذه أحكام الحركة اللازمة.
وأمّا غير اللازمة فعلى أضرب.
منها حركة التقاء الساكنين ؛ نحو قم الليل ، واشدد الحبل. ومنها حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها ؛ نحو هذا بكر ، وهذا عمرو ومررت ببكر ، ونظرت إلى عمرو. وذلك أن هذا أحد أحداث الوقف فلم يكن به حفل. ومنها الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة ؛ نحو قولك فى مسألة : مسلة ، وقولك فى يلؤم : يلم ، وفى يزئر : يزر ، وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] فيمن سكن وخفف (١). وعلى ذلك قول الله تعالى (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] أصله : لكن أنا ؛ ثم خفّف فصار (لكن نا) ثم أجرى غير اللازم مجرى اللازم ، فأسكن الأوّل وادّغم فى الثانى فصار لكنّا.
ومن التقاء الساكنين أيضا قوله :
__________________
(١) أى سكن الفاء وخفف الهمزة بنقل حركتها على الفاء وحذفها. وهذه القراءة رواية عن نافع.