باب فى مراعاتهم الأصول تارة ، وإهمالهم إياها أخرى
فمن الأول قولهم : صغت الخاتم ، وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عدّيت ، فلو لا أن أصل هذا فعلت ـ بفتح العين ـ لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطوائح (١) |
ألا ترى أن أول البيت مبنىّ على اطّراح ذكر الفاعل ، وأن آخره قد عوود فيه (الحديث عن الفاعل) لأن تقديره فيما بعد : ليبكه مختبط ممّا تطيح الطوائح.
فدلّ قوله : ليبك ، على ما أراده من قوله : ليبكه. ونحوه قول الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] هذا مع قوله سبحانه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : ١ ، ٢] ، وقوله عزوجل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٣ ، ٤] وأمثاله كثيرة.
ونحو من البيت قول الله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ)(٢) [النور : ٣٦ ، ٣٧] أى يسبّح له فيها رجال.
ومن الأصول المراعاة قولهم : مررت برجل ضارب زيد وعمرا ، وليس زيد
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للحارث بن نهيك فى خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٨٨ ، وللبيد بن ربيعة فى ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ، ولنهشل بن حرىّ فى خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، ولضرار بن نهشل فى الدرر ٢ / ٢٨٦ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، وللحارث بن ضرار فى شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، ولنهشل أو للحارث ، أو لضرار ، أو لمزرد بن ضرار ، أو للمهلهل فى المقاصد النحويّة ٢ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ٧ / ٢٤ ، وأمالى ابن الحاجب. ص ٤٤٧ ، ٧٨٩ ، وأوضح المسالك ٢ / ٩٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والشعر والشعراء ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، والكتاب ١ / ٣٦٦ ، ٣٩٨ ، ولسان العرب (طوح) ، والمحتسب ١ / ٢٣٠ ، ومغنى اللبيب ص ٦٢٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.
(٢) قراءة فتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر.