باب فى حمل الأصول على الفروع
قال أبو عثمان : لا يضاف ضارب إلى فاعله ؛ لأنك لا تضيفه إليه مضمرا ، فكذلك لا تضيفه إليه مظهرا. قال : وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمّا جازت إضافته إليه مضمرا. كأن أبا عثمان إنما اعتبر فى هذا الباب المضمر فقدّمه ، وحمل عليه المظهر ؛ من قبل أن المضمر أقوى حكما فى باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة ـ وهو التنوين ـ من المظهر. ولذلك لا يجتمعان فى نحو ضاربانك وقاتلونه ؛ من حيث كان المضمر بلطفه وقوّة اتصاله (مشابها للتنوين بلطفه وقوّة اتصاله) وليس كذلك المظهر لقوّته ووفور صورته ؛ ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه ؛ نحو ضاربان زيدا ، وقاتلون عمرا. فلمّا كان المضمر ممّا تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر ـ وإن كان هو الأصل ـ عليه ، وأصاره ـ لما ذكرناه ـ إليه.
ومن ذلك قولهم : إنما استوى النصب والجرّ فى المظهر فى نحو رأيت الزيدين ، ومررت بالزيدين لاستوائهما فى المضمر ؛ نحو رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم المظهر من حيث كان المضمر عاريا من الإعراب ، (فإذا) عرى منه جاز أن يأتى منصوبه بلفظ مجروره ، وليس كذلك المظهر ؛ لأن باب الإظهار أن يكون موسوما بالإعراب ، فلذلك حملوا الظاهر على المضمر فى التثنية وإن كان المظهر هو الأصل ؛ إذ كان المراعى هنا أمرا غير الفرعيّة والأصليّة ، وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمّلت ذلك علمت أنك فى الحقيقة إنما حملت فرعا على أصل لا أصلا على فرع ؛ ألا ترى أن المضمر أصل فى عدم الإعراب ، فحملت المظهر عليه ؛ لأنه فرع فى البناء ؛ كما حملت المظهر على المضمر فى باب الإضافة ؛ من حيث كان المضمر هو الأصل فى مشابهته التنوين والمظهر فرع عليه فى ذلك ؛ لأنه إنما (يتأصّل) فى الإعراب لا فى البناء.
فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها ، ولا تعط باليد مع أوّل ورودها ، وتأتّ لها ، ولا طف بالصنعة ما يورده الخصم منها ، مناظرا كان أو خاطرا. وبالله التوفيق.