قيل : ب (ما) ؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب ؛ فعملت عمله من الرفع والنصب. وهذه طريقة أبى علىّ وجلّة أصحابنا من قبله فى أنّ الشىء إذا عاقب الشىء ولى من الأمر ما كان المحذوف يليه. من ذلك الظرف إذا تعلق (بالمحذوف) فإنه يتضمّن الضمير الذى كان فيه ، ويعمل ما كان يعمله : من نصبه الحال والظرف. وعلى ذلك صار قوله : (فاه إلى فىّ) من قوله : (كلّمته فاه إلى فىّ) ضامنا للضمير الذى كان فى (جاعلا) لمّا عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبّة.
حذف الحرف
قد حذف الحرف فى الكلام على ضربين : أحدهما حرف زائد على الكلمة مما يجيء لمعنى. والآخر حرف من نفس الكلمة. وقد تقدّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته. ومضت الزيادة فى الحروف وغيرها.
فصل فى التقديم والتأخير
وذلك على ضربين : أحدهما ما يقبله القياس. والآخر ما يسهّله الاضطرار.
الأوّل كتقديم المفعول على الفاعل تارة ، وعلى الفعل الناصبة أخرى ؛ كضرب (زيدا عمرو) ، وزيدا ضرب عمرو. وكذلك الظرف ؛ نحو قام عندك زيد ، وعندك قام زيد ، وسار يوم الجمعة جعفر ، ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال ؛ نحو جاء ضاحكا زيد ، وضاحكا جاء زيد. وكذلك الاستثناء ؛ نحو ما قام إلا زيدا أحد. ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل الناصب له. لو قلت : إلا زيدا قام القوم لم يجز ؛ لمضارعة الاستثناء البدل ؛ ألا تراك تقول : ما قام أحد إلا زيدا وإلا زيد والمعنى واحد. فلمّا جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه.
فإن قلت : فكيف جاز تقديمه على المستثنى منه ، والبدل لا يصحّ تقديمه على المبدل منه.
قيل : لمّا تجاذب المستثنى شبهان : أحدهما كونه مفعولا ، والآخر كونه بدلا خلّيت له منزلة وسيطة ؛ فقدّم على المستثنى منه ، وأخّر ألبتّة عن الفعل الناصبة.
فأمّا قولهم : ما مررت إلا زيدا بأحد فإنما تقدّم على الباء لأنها (ليست هى) الناصبة له ؛ إنما الناصب له على كل حال نفس مررت.