فأمّا قوله :
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت |
|
فطعنة لا غسّ ولا بمغمّر (١) |
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد : إن ينج منها فلم أرقه ، وقدّم الجواب. وهذا عند كافّة أصحابنا غير جائز ، والقياس له دافع ، وعنه حاجز. وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط ، ومحال تقدّم المجزوم على جازمه ؛ بل إذا كان الجارّ ـ وهو أقوى من الجازم ؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال ـ لا يجوز تقديم ما انجرّ به عليه كان ألا يجوز تقديم المجزوم على جازمه أحرى وأجدر. وإذا كان كذلك فقد وجب النظر فى البيت. ووجه القول عليه أن الفاء فى قوله : (فلم أرقه) لا يخلو أن تكون معلّقة بما قبلها ، أو زائدة ، وأيّهما كان فكأنه قال : لم أرقه إن ينج منها ؛ وقد علم أنّ لم أفعل (نفى فعلت) ، وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط ، وجعلوه دليلا عليه فى قوله :
يا حكم الوارث عن عبد الملك |
|
أوديت ان لم تحب حبو المعتنك (٢) |
أى إن لم تحب أوديت. فجعل (أوديت) المقدّمة دليلا على (أوديت هذه المؤخّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلا على) جواب الشرط المحذوف ، كذلك جعل نفيها الذى هو لم أفعل دليلا على جوابه. والعرب قد تجرى الشىء مجرى نقيضه ؛ كما تجريه مجرى نظيره ؛ ألا تراهم قالوا : جوعان (٣) ؛ كما قالوا : شبعان ،
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن مسعود فى لسان العرب (غسس) ، ونوادر أبى زيد ص ٧٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٢٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٣ ، وكتاب العين ٤ / ٤١٧. والغس : الضعيف اللئيم. المغمر : الجاهل الذى لم يجرّب الأمور.
(٢) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١١٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٥٢ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠٩ ، وللعجاج فى اللمع فى العربية ص ١٩٤ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٦٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٣ ، والمعانى الكبير ص ٨٧٠ ، والمقتضب ٤ / ٢٠٨ ، وديوان الأدب ٢ / ١٨ ، وكتاب الجيم ٢ / ٢٢٥ ، ٢٧٣ ، وأساس البلاغة (نوخ). يريد الحكم بن عبد الملك بن مروان. والمعتنك : البعير يصعد فى العانك من الرمل ، وهو المتعقد منه. والبعير قد يحبو حتى يقطعه.
(٣) ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل ـ بفتح العين ـ وفعلان قياس فى الوصف من فعل ـ بكسر العين كشبع ، وإنما قياس الوصف من جاع جائع ، ولكن جاء الوصف على وازن ضدّه وهو شبعان فقيل : جوعان. (نجار).