باب فى نقض العادة
المعتاد المألوف فى اللغة أنه إذا كان فعل غير متعدّ كان أفعل متعدّيا ؛ لأن هذه الهمزة كثيرا ما تجيء للتعدية. وذلك نحو قام زيد ، وأقمت زيدا ، وقعد بكر ، وأقعدت بكرا. فإن كان فعل متعدّيا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعدّيا إلى اثنين ؛ نحو طعم زيد خبزا ، وأطعمته خبزا ، وعطا بكر درهما ، وأعطيته درهما.
فأمّا كسى زيد ثوبا ، وكسوته ثوبا ، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ؛ ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإنما جاز نقله بفعل لمّا كان فعل وأفعل كثيرا ما يعتقبان على المعنى الواحد ؛ نحو جدّ فى الأمر ، وأجدّ ، وصددته عن كذا ، وأصددته ، وقصر عن الشىء وأقصر ، وسحته الله وأسحته ، ونحو ذلك. فلما كانت فعل وأفعل على ما ذكرنا : من الاعتقاب والتعاوض ، ونقل بأفعل ، نقل أيضا فعل بفعل ؛ نحو كسى وكسوته ، وشترت عينه وشترها ، وعارت وعرتها ، ونحو ذلك.
هذا هو الحديث : أن (تنقل بالهمز) فيحدث النقل تعدّيا لم يكن قبله.
غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه هذه القضيّة معكوسة مخالفة ؛ فتجد فعل فيها متعدّيا ، وأفعل غير متعدّ.
وذلك قولهم : أجفل الظليم ، وجفلته الريح ، وأشنق البعير إذا رفع رأسه ، وشنقته ، وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها ، ونزفتها ، وأقشع الغيم ، وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ، ونسلته ، وأمرت الناقة إذا درّ لبنها ومريتها (١).
ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها ، ولوت ذنبها ، وصرّ الفرس أذنه ، وأصرّ (٢) بأذنه ، وكبّه الله على وجهه ، وأكبّ هو ، وعلوت الوسادة ، وأعليت عنها.
__________________
(١) أى مسحت ضرعها لتدرّ.
(٢) أى سوى أذنه ونصبها للاستماع ، وذلك إذا جدّ فى السير.