فتحرير رقبة ثم يعودون (لما قالوا). ونحو من هذا ما قدّمنا ذكره من الاعتراض فى نحو قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧] تقديره ـ والله أعلم ـ فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم وإنه لقسم عظيم لو تعلمون.
وقد شبّه الجازم بالجارّ ففصل بينهما ، مما فصل بين الجارّ والمجرور ؛ وأنشدنا لذى الرمة :
فأضحت مغانيها قفارا رسومها |
|
كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل (١) |
وجاء هذا فى ناصب الفعل. أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر:
لمّا رأيت أبا يزيد مقاتلا |
|
أدع القتال ....... |
أى لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ؛ كما أراد فى الأول : كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. وكأنه شبّه لن بأنّ ، فكما جاز الفصل بين أنّ واسمها بالظرف فى نحو قولك : بلغنى أنّ فى الدار زيدا ، كذلك شبه (لن) مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذى هو (ما رأيت أبا يزيد) أى مدّة رؤيتى.
فصل فى الحمل على المعنى
اعلم أن هذا الشرج غور من العربية بعيد ، ومذهب نازح فسيح. قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما ؛ كتأنيث المذكر ، وتذكير المؤنث ، وتصوّر معنى الواحد فى الجماعة ، والجماعة فى الواحد ، وفى حمل الثانى على لفظ قد يكون عليه الأول ، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا ، وغير ذلك مما تراه بإذن الله.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٤٦٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥ ، والدرر ٥ / ٦٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٥ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٦٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٦. تؤهل المكان : تنزل به وتعيش فيه.