فهذا نقض عادة الاستعمال ؛ لأن فعلت فيه متعدّ ، وأفعلت غير متعدّ.
وعلّة ذلك ـ عندى ـ أنه جعل تعدّى فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدّى ؛ نحو جلس وأجلسته ، ونهض وأنهضته ؛ كما جعل قلب الياء واوا فى التقوى والرعوى والثنوى والفتوى عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها ؛ وكما جعل لزوم الضرب الأوّل من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تامّا أو مخبونا ، بل توبعت فيه الحركات الثلاث ألبتّة تعويضا للضرب من كثرة السواكن فيه ؛ نحو مفعولن ومفعولان ومستفعلان ونحو ذلك ممّا التقى فى آخره من الضروب ساكنان.
ونحو من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول ، وذلك نحو أحببته فهو محبوب ، وأجنّه الله فهو مجنون ، وأزكمه فهو مزكوم ، وأكزّه (١) فهو مكزوز ، وأقرّه فهو مقرور ، وآرضه الله فهو مأروض ، وأملأه الله فهو مملوء ، وأضأده (٢) الله فهو مضئود ، وأحمّه الله ـ من الحمّى ـ فهو محموم ، وأهمّه ـ من الهم ـ فهو مهموم ، وأزعقته فهو مزعوق أى مذعور.
ومثله ما أنشدناه أبو علىّ من قوله :
إذا ما استحمّت أرضه من سمائه |
|
جرى وهو مودوع وواعد مصدق (٣) |
وهو من أودعته. وينبغى أن يكون جاء على ودع.
وأما أحزنه الله فهو محزون فقد حمل على هذا ؛ غير أنه قد قال أبو زيد : يقولون : الأمر يحزننى ، ولا يقولون : حزننى ، إلا أنّ مجىء المضارع يشهد للماضى. فهذا أمثل ممّا مضى. وقد قالوا فيه أيضا : محزن ، على القياس. ومثله قولهم : مجبّ. منه بيت عنترة :
__________________
(١) أكزّه : أصابه بالكزاز. وهو تشنج يصيب الإنسان من شدة البرد ، وتعتريه منه رعدة.
(٢) أضأده : أى أصابه بالزكام.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لخفاف بن ندبة فى ديوانه ص ٣٣ ، وإصلاح المنطق ص ٧٣ ، والأصمعيّات ص ٢٤ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧٢ ، ولسان العرب (أرض) ، (ودع) ، (صدق) ، ولسلمة بن الخرشب فى المعانى الكبير ص ١٥٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٠٤ ، والدرر ٥ / ١٩٣ ، والمحتسب ٢ / ٢٤٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٤.