وكذلك قول الله سبحانه : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) [الأنبياء : ٧٥] هذا هو مجاز.
وفيه الأوصاف الثلاثة.
أمّا السعة فلأنه كأنه زاد فى أسماء الجهات والمحالّ اسما والرحمة.
وأما التشبيه فلأنه شبّه الرحمة ـ وإن لم يصح دخولها ـ بما يجوز دخوله فلذلك وضعها موضعه.
وأمّا التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر. وهذا تعال بالعرض ، وتفخيم منه ؛ إذ صيّر إلى حيّز ما يشاهد ويلمس ويعاين ؛ ألا ترى إلى قول بعضهم فى الترغيب فى الجميل : ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا. وإنما يرغّب فيه بأن ينبّه عليه ، ويعظّم من قدره ، بأن يصوّره فى النفوس على أشرف أحواله ، وأنوه صفاته. وذلك بأن تخيّل شخصا متجسما لا عرضا متوهّما. وعليه قوله :
تغلغل حبّ عتمة فى فؤادى |
|
فباديه مع الخافى يسير (١) |
(أى فباديه إلى الخافى يسير) أى فباديه مضموما إلى خافيه يسير. وذلك أنه لمّا وصف الحبّ بالتغلغل فقد اتسع به ؛ ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول :
شكوت إليها حبّها المتغلغلا |
|
فما زادها شكواى إلا تدلّلا |
فيصف بالمتغلغل ما ليس فى أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل إنما ذلك وصف يخص الجواهر لا الأحداث ؛ ألا ترى أن المتغلغل فى الشىء لا بدّ أن يتجاوز مكانا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخصّ فى الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع.
وأما التشبيه فلأنه شبّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل. وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوّة الجوهرية.
وعليه (قول الآخر) :
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة فى لسان العرب (غلل) ، وتاج العروس (غلل) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (معع).