الفاعل ، وحتى قال سيبويه فيهما : «وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم» خصّوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة : أحدهما تغيير صورة المثال مسندا إلى المفعول ، عن صورته مسندا إلى الفاعل ، والعدّة واحدة ؛ وذلك نحو ضرب [زيد] وضرب ، وقتل وقتل ، وأكرم وأكرم ، ودحرج ودحرج. والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدّة الحروف مع ضمّ أوّله ، كما غيّروا فى الأوّل الصورة والصيغة وحدها. وذلك نحو قولهم : أحببته وحبّ ، وأزكمه الله وزكم ، وأضأده الله وضئد ، وأملاه الله وملئ.
قال أبو علىّ : فهذا يدلّك على تمكّن المفعول عندهم ، وتقدّم حاله فى أنفسهم ؛ إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل.
وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم الذى قدّمت بابه ؛ ألا ترى أنهم لمّا غيروا الصيغة والعدّة واحدة فى نحو ضرب وضرب و (شتم وشتم) تدرّجوا من ذلك إلى أن غيّروا الصيغة مع نقصان العدّة ؛ نحو أزكمه الله وزكم ، وآرضه الله وأرض.
فهذا كقولهم فى حنيفة : حنفىّ ، لمّا حذفوا هاء حنيفة حذفوا أيضا ياءها ؛ ولمّا لم يكن فى حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحّت الياء ، فقالوا فيه : حنيفىّ. وقد تقدّم القول على ذلك.
وهذا الموضع هو الذى دعا أبا العباس أحمد بن يحيى فى كتاب فصيحه أن أفرد له بابا ، فقال : هذا باب فعل ـ بضمّ الفاء ـ نحو قولك : عنيت بحاجتك وبقيّة الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل فى اللغة الفصيحة ؛ ألا تراهم يقولون : نخى زيد ؛ من النخوة ولا يقال : نخاه كذا ، ويقولون (امتقع لونه ولا يقولون : امتقعه كذا ، ويقولون) : انقطع بالرجل ولا يقولون انقطع به كذا. فلهذا جاء بهذا الباب ، أى ليريك أفعالا خصّت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل ؛ كما خصّت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول ؛ نحو قام زيد ، وقعد جعفر ، وذهب محمد ، وانطلق بشر. ولو كان غرضه أن يريك صورة ما لم يسمّ فاعله مجملا غير مفصّل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو ضرب وركب وطلب وقتل وأكل وسمل وأكرم وأحسن إليه واستقصى عليه.