ألا ترى أنك إذا قلت : بنو فلان يطؤهم الطريق ففيه من السعة إخبارك عمّا لا يصحّ وطؤه بما يصحّ وطؤه. فتقول على هذا : أخذنا على الطريق الواطئ لبنى فلان ، ومررنا بقوم موطوءين بالطريق ، ويا طريق طأ بنا بنى فلان أى أدّنا إليهم.
وتقول : بنى فلان بيته على سنن المارّة ؛ رغبة فى طئة الطريق بأضيافه له. أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز.
ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه. فشبّهته بهم ؛ إذ كان هو المؤدّى لهم ، فكأنه هم.
وأما التوكيد فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم. وذلك أن الطريق مقيم ملازم ، فأفعاله مقيمة معه ، وثابتة بثباته. وليس كذلك أهل الطريق ، لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه ، فأفعالهم أيضا كذلك حاضرة وقتا ، وغائبة آخر. فأين هذا ممّا أفعاله ثابتة مستمرّة. ولمّا كان هذا كلاما الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين ؛ لأنه يفيد أقوى المعنيين.
وكذلك قوله سبحانه (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف : ٨٢] فيه المعانى الثلاثة. أمّا الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصحّ فى الحقيقة سؤاله.
وهذا نحو ما مضى ؛ ألا تراك تقول : وكم من قرية مسئولة. وتقول : القرى وتسآلك ؛ كقولك : أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع.
وأمّا التشبيه فلأنها شبّهت بمن يصحّ سؤاله لمّا كان بها ومؤلفا لها. وأمّا التوكيد فلأنه فى ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال (على من) ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمّنوا لأبيهم عليهالسلام أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحّة قولهم.
وهذا تناه فى تصحيح الخبر. أى لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا ، فكيف لو سألت من من عادته الجواب.
وكيف تصرّفت الحال فالاتساع فاش فى جميع أجناس شجاعة العربية.
* * *