هنا تعريف الجنس ؛ كقولك : الأسد أشدّ من الذئب وأنت لا تريد أنك (خرجت وجميع الأسد) التى يتناولها الوهم على الباب. هذا محال ، واعتقاده اختلال.
وإنما أردت : خرجت فإذا واحد من هذا الجنس بالباب. فوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازا ؛ لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه. أمّا الاتساع فإنك وضعت اللفظ المعتاد للجماعة على الواحد. وأمّا التوكيد فلأنك عظّمت قدر ذلك الواحد ، بأن جئت بلفظه على اللفظ المعتاد للجماعة. وأمّا التشبيه فلأنك شبّهت الواحد بالجماعة ؛ لأن كل واحد منها مثله فى كونه أسدا.
وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر ، وانطلق محمد ، وجاء الليل وانصرم النهار.
وكذلك أفعال القديم سبحانه ؛ نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله ؛ ألا ترى ـ أنه عزّ اسمه ـ لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا ، ولو كان حقيقة لا مجازا لكان خالقا للكفر والعدوان وغيرهما (١) من أفعالنا عزّ وعلا. وكذلك علم الله قيام زيد مجاز (٢) أيضا ؛ لأنه ليست الحال التى علم عليها قيام زيد هى الحال التى علم عليها قعود عمرو. ولسنا نثبت له سبحانه علما ؛ لأنه عالم بنفسه ، إلا أنه مع ذلك نعلم أنه ليست حال علمه بقيام زيد هى حال علمه بجلوس عمرو ونحو ذلك.
وكذلك قولك : ضربت عمرا مجاز أيضا من غير جهة التجوّز فى الفعل ـ وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه ـ ولكن من جهة أخرى ؛ وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه ؛ ألا تراك تقول : ضربت زيدا ولعلّك إنما ضربت يده أو إصبعه أو ناحية من نواحى جسده ؛ ولهذا إذا احتاط الإنسان واستظهر جاء ببدل البعض ، فقال : ضربت زيدا وجهه أو رأسه. نعم ، ثم إنه مع ذلك متجوّز ؛ ألا (تراه قد يقول) : ضربت زيدا رأسه ، فيبدل للاحتياط وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم فى نحو هذا ، فيقول : ضربت زيدا جانب وجهه الأيمن أو ضربته أعلى رأسه الأسمق ؛ لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله ، فيكون بعضه أرفع من بعض.
__________________
(١) تراه يتبع المعتزلة. وأهل السنة لا يرون شيئا فى خلق الكفر والعدوان ، ولا يخرج شيء عن خلقه وقدرته.
(٢) وتراه أيضا يتبع المعتزلة فى نفى صفة العلم عن الله سبحانه ، ومذهب أهل السنة بخلاف ذلك.