فإن قيل : يجيد من هذا أن تقول : ضربت زيدا وإنما ضربت غلامه وولده.
قيل : هذا الذى شنّعت به بعينه جائز ؛ ألا تراك تقول : إنما ضربت زيدا بضربك غلامه ، وأهنته بإهانتك ولده. وهذا باب إنما يصلحه ويفسده المعرفة به. فإن فهم عنك فى قولك : ضربت زيدا أنك إنما أردت بذلك : ضربت غلامه أو أخاه أو نحو ذلك جاز ، وإن لم يفهم عنك لم يجز ؛ كما أنك إن فهم عنك بقولك : أكلت الطعام أنك أكلت بعضه لم تحتج إلى البدل ؛ وإن لم يفهم عنك وأردت إفهام المخاطب إياه لم تجد بدّا من البيان ، وأن تقول : بعضه أو نصفه أو نحو ذلك. ألا ترى أن الشاعر لما فهم عنه ما (أراد بقوله) قال:
صبّحن من كاظمة الخصّ الخرب |
|
يحملن عبّاس بن عبد المطلب (١) |
وإنما أراد : عبد الله بن عباس ، ولو لم يكن على الثقة بفهم ذلك لم يجد بدّا من البيان. وعلى ذلك قول الآخر :
*عليهم بما أعيا النطاسىّ حذيما (٢) *
أراد : ابن حذيم.
ويدلك على لحاق المجاز بالحقيقة عندهم وسلوكه طريقته فى أنفسهم أن العرب قد وكّدته كما وكّدت الحقيقة. وذلك قول الفرزدق :
عشيّة سال المربدان كلاهما |
|
سحابة موت بالسيوف الصوارم (٣) |
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (نطس) ، (وصى) ، وجمهرة اللغة ص ١٣٢٨.
(٢) عجز البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ١١١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٧٠ ، ٣٧٣ ، ٣٧٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ١١٦ ، ١١٧ ، ولسان العرب (نطس) ، (حذم) ، (إلى) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨٣٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٥. ويروى : (طبيب) مكان (عليم). وصدره :
* فهل لكم فيها إلىّ فإننى*
(٣) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ٢ / ٣١١ ، ولسان العرب (دبد) ، وتاج العروس (دبد) ، وبلا نسبة فى تاج العروس (سحب) ، ولسان العرب (سحب) ، ويروى (عجاجة) مكان (سحابة). المربدان أراد به المربد وهو كل شيء حبست به الإبل والغنم ، ولهذا قيل مربد النّعم الذى بالمدينة ، وبه سمّى مربد البصرة. اللسان (ربد).