باب فى إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول
ما لم يدع داع إلى الترك والتحول
من ذلك (أو) إنما أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت وكيف تصرفت. فهى عندنا على ذلك ؛ وإن كان بعضهم قد خفى عليه هذا من حالها فى بعض الأحوال ، حتى دعاه إلى أن نقلها عن أصل بابها. وذلك أن الفرّاء قال : إنها قد تأتى بمعنى بل ؛ وأنشد بيت ذى الرمّة :
بدت مثل قرن الشمس فى رونق الضحى |
|
وصورتها أو أنت فى العين أملح (١) |
وقال : معناه : بل أنت فى العين أملح. وإذا أرينا أنها فى موضعها وعلى بابها ـ بل إذا كانت هنا على بابها كانت أحسن معنى ، وأعلى مذهبا ـ فقد وفّينا ما علينا.
وذلك أنها على بابها من الشكّ ؛ ألا ترى أنه لو أراد بها معنى بل ، فقال : بل أنت فى العين (أملح لم يف بمعنى أو فى الشك ؛ لأنه إذا قطع بيقين أنها فى العين أملح) كان فى ذلك سرف منه ودعاء إلى التهمه فى الإفراط له ، وإذا أخرج الكلام مخرج الشكّ كان فى صورة المقتصد غير المتحامل ولا المتعجرف. فكان أعذب للفظه ، وأقرب إلى تقبل قوله ؛ ألا تراه نفسه (أيضا قال :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النقا آنت أم أمّ سالم (٢) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص ١٨٥٧ ، والأزهية ص ١٢١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦٥ ـ ٦٧ ، ولسان العرب (أوا) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٤٧٨ ، وجواهر الأدب ص ٢١٥. قرن الشمس : أعلاها.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٧٦٧ ، وأدب الكاتب ص ٢٢٤ ، والأزهية ص ٣٦ ، والأغانى ١٧ / ٣٠٩ ، والدرر ٣ / ١٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٧ ، وشرح المفصل ١ / ٩٤ ، ٩ / ١١٩ ، والكتاب ٣ / ٥٥١ ، ولسان العرب (جلل) ، (أ) ، (يا) ، واللمع ص ١٩٣ ، ٢٧٧ ، ومعجم ما استعجم ص ٣٨٨ ، (جلاجل) ، والمقتضب ١ / ١٦٣ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥٧ ، ـ ـ