فأمّا (هل) فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد ؛ نحو قول الله ـ سبحانه ـ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] قالوا : معناه : قد أتى عليه ذلك. وقد يمكن عندى أن تكون مبقّاة فى هذا الموضع على بابها من الاستفهام ، فكأنه قال ـ والله أعلم ـ : هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بدّ فى جوابه من (نعم) ملفوظا بها أو مقدرة ، أى فكما أن ذلك كذلك فينبغى للإنسان أن يحتقر نفسه ، ولا يبأى بما فتح له. وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه : بالله هل سألتنى فأعطيتك! أم هل زرتنى فأكرمتك!. أى فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقّى عليك ، وإحسانى إليك. ويؤكّد هذا عندك قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٢ ، ٣] أفلا تراه ـ عزّ اسمه ـ كيف عدّد عليه أياديه وألطافه له.
فإن قلت : فما تصنع بقول الشاعر :
سائل فوارس يربوع بشدّتنا |
|
أهل رأونا بسفح القفّ ذى الأكم (١) |
ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل ، ولو كانت على ما فيها من الاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد. وهذا يدلّ على خروجها عن الاستفهام إلى معنى الخبر.
قيل : هذا قول يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب.
ومثله خروج الهمزة عن الاستفهام إلى التقرير ؛ ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر ، وذلك ضدّ الاستفهام. ويدلّ على أنه قد فارق الاستفهام امتناع النصب بالفاء فى جوابه ، والجزم بغير الفاء (فى جوابه) ألا تراك لا تقول : ألست صاحبنا
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لزيد الخيل فى ديوانه ص ١٥٥ ، والجنى الدانى ص ٣٤٤ ، والدرر ٥ / ١٤٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٧٢ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٢ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٣٥٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤٢٧ ، ٧ / ٥٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٨ ، وجواهر الأدب ص ٢٨١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ٢٦٦ ، ورصف المبانى ص ٤٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٨٥ ، واللمع ص ٣١٧ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٣٥٢ ، والمقتضب ١ / ٤٤ ، ٣ / ٢٩١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٧ ، ١٣٣. ويروى : (القاع) مكان (القف). القفّ : ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. اللسان (قفف).