فنكرمك ؛ كما تقول ؛ لست صاحبنا فنكرمك. ولا تقول فى التقرير : أأنت فى الجيش أثبت اسمك ؛ كما تقول فى الاستفهام الصريح : أأنت فى الجيش أثبت اسمك ؛ كما نقول : ما اسمك أذكرك أى إن أعرفه أذكرك. ولأجل ما ذكرنا من حديث همزة التقرير ما صارت تنقل النفى إلى الإثبات ، والإثبات إلى النفى ؛ وذلك كقوله :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح (١) |
أى (أنتم كذاكم) وكقول الله ـ عزوجل ـ (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) [يونس : ٥٩] ، (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] أى لم يأذن لكم ، ولم تقل للناس : اتخذونى وأمى إلهين ، ولو كانت استفهاما محضا لأقرّت الإثبات على إثباته ، والنفىّ على نفيه.
فإذا دخلت (٢) على الموجب نفته ، (وإذا دخلت على النفى نفته) و (نفى النفى عائد) به إلى الإثبات. ولذلك لم يجيزوا ما زال زيد إلا قائما لمّا آل به المعنى (من النفى) إلى : ثبت زيد إلا قائما. فكما لا يقال هذا فكذلك لا يقال ذلك. فاعرفه.
ويدلّ على صحّة معنى التناكر فى همزة التقرير أنها قد أخلصت للإنكار فى نحو قولهم فى جواب قوله ضربت عمر : أعمراه! ومررت بإبراهيم : أإبراهيماه.
ورأيت جعفرا : (أجعفرنيه ، وأ جعفرا إنيه!). وهذا واضح.
واعلم أنه ليس شيء يخرج عن بابه إلى غيره إلا لأمر قد كان وهو على بابه ملاحظا له ، وعلى صدد من الهجوم عليه.
وذلك أن المستفهم عن الشىء قد يكون عارفا به مع استفهامه فى الظاهر عنه ، لكن غرضه فى الاستفهام عنه أشياء. منها أن يرى المسئول أنه خفى عليه ليسمع جوابه عنه. ومنها أن يتعرف حال المسئول هل هو عارف بما السائل عارف به.
ومنها أن يرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد ؛ لما له فى ذلك من الغرض. ومنها أن يعدّ ذلك لما بعده ممّا يتوقّعه ، حتى إن حلف بعد أنه قد سأله
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٨٥ ، ٨٩ ، والجنى الدانى ص ٣٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٢ ، ولسان العرب (نقص) ، ومغنى اللبيب ١ / ١٧ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٤٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١٢٣ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٢.
(٢) أى همزة التقرير.