وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءى الإضافة فى نحو مصطفىّ وقاضىّ ومرامىّ (فى مرامى). وكذلك باب يعد ويزن ؛ حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائد (كل ذلك) لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدلّ على شرف المعانى عندهم ورسوخها فى أنفسهم. نعم ، وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائدة وإن كانا متساويى المعنيين. وإذا كان ذلك جائزا عندهم ، ومسموعا فى لغتهم ، فما ظنّك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله :
بنى عقيل ماذه الخنافق! |
|
لمال هدى والنساء طالق |
(فالخنافق) جمع خنفقيق والنون زائدة ، والقاف الأولى عند الخليل هى الزائدة ، والثانية هى الأصل وهى المحذوفة ـ وقد قدّمنا دليل ذلك ـ والنون والقاف جميعا لمعنى واحد ، وهو الإلحاق.
(فإذا) كانوا قد حذفوا الأصل للزائد وهما فى طبقة واحدة ـ أعنى اجتماعهما على كونهما للإلحاق ـ فكيف ـ ليت شعرى ـ تكون الحال إذا كان الزائد لمعنى والأصلىّ المحذوف لغير معنى! وهذا واضح.
وفى قولهم : خنافق تقوية لقول سيبويه فى تحقير مقعنسس وتكسيره (مقاعس ومقيعس) فاعرفه ؛ فإنه قوىّ فى بابه.
بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف الملحق لذى المعنى ـ وهو الميم ـ أقوى وأحجى. وكأنهم إنما أسرعوا إلى حذف الأصلى للزائد ؛ تنويها به ، وإعلاء له ، وتثبيتا لقدمه فى أنفسهم ، وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته فى تصوّرهم ولحاقه بأصول الكلم فى معتقدهم ؛ ألا تراهم قد يقرّونه فى الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول. وذلك قولهم : قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة ، فاشتقّ الفعل منها وأقرت الواو الزائدة فيها ، حتى أبدلت ياء فى قرنيت. ومثله قولهم : قلسيت الرجل ؛ فالياء هنا بدل من واو قلنسوة الزائدة ، ومن قال قلنسته فقد أثبت أيضا النون وهى زائدة. وكذلك قولهم : تعفرت الرجل إذا خبث ، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة.
فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له قول الشاعر :