باب فى التغييرين يعترضان فى المثال الواحد
بأيهما يبدأ؟
اعلم أن القياس يسوّغك أن تبدأ بأىّ العملين شئت : إن شئت بالأوّل ، وإن شئت بالآخر.
أمّا وجه علّة الأخذ فى الابتداء بالأوّل فلأنك إنما تغيّر لتنطق بما تصيّرك الصنعة إليه ، (وإنما) تبتدئ فى النطق بالحرف من أوّله لا من آخره. فعلى هذا ينبغى أن يكون التغيير من أوّله لا من آخره ؛ لتجتاز بالحروف وقد رتّبت على ما يوجبه العمل فيها ، وما تصير بك الصنعة عليه إليها ، إلى أن تنتهى كذلك إلى آخرها فتعمل ما تعمله ، ليرد اللفظ بك مفروغا منه.
وأمّا وجه علّة وجوب الابتداء بالتغيير من الآخر فمن قبل أنك إذا أردت التغيير فينبغى أن تبدأ به من أقبل المواضع له. وذلك الموضع آخر الكلمة لا أوّلها ؛ لأنه أضعف الجهتين.
مثال ذلك قوله فى مثال إوزّة من أويت : إيّاة. وأصلها إئوية. فإبدال الهمزة التى هى فاء واجب ، وإبدال الياء التى هى اللام واجب أيضا. فإن بدأت بالعمل من الأوّل صرت إلى إيوية ثم إلى إييية ثم إلى إيّاة. وإن بدأت بالعمل من آخر المثال صرت أوّل إلى إثواة ، ثم إلى إيواة ثم إلى إيّاة. ففرّقت العمل فى هذا الوجه ، ولم تواله كما واليته فى الوجه الأوّل ؛ لأنك لم تجد طريقا إلى قلب الواو ياء إلا بعد أن صارت الهمزة قبلها ياء. فلما صارت إلى إيواة أبدلتها ياء ، فصارت إيّاة ؛ كما ترى.
ومن ذلك قوله فى مثال جعفر من الواو : أوّى. وأصلها ووّو. وهاهنا عملان واجبان.
أحدهما إبدال الواو الأولى همزة ؛ لاجتماع الواوين فى أوّل الكلمة. والآخر إبدال الواو الآخرة ياء ؛ لوقوعها رابعة وطرفا ؛ ثم إبدال الياء ألفا ؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.