ـ نحو أكرمه وأشعره ـ على أضعف الجائزين وهو الضمّ.
قيل : هذا إبعاد فى التشبيه. وذلك أنك لم توجب النصب فى (قائما) من قولك : فيها رجل قائما ، و (قائما) هذا متأخّر عن رجل فى مكانه فى حال الرفع ، وإنما اقتصرت على النصب فيه لمّا لم يجز فيه الرفع أو لم يقو ، فجعلت أضعف الجائزين واجبا ضرورة لا اختيارا ؛ وليس كذلك كرمته أكرمه ؛ لأنه لم ينقض شيء عن موضعه ، ولم يقدّم ولم يؤخّر. ولو قيل : كرمته أكرمه لكان كشتمته أشتمه ، وهزمته أهزمه.
وكذلك القول فى نحو قولنا : ما جاءنى إلا زيدا أحد فى إيجاب نصبه ، وقد كان النصب لو تأخر (زيد) أضعف الجائزين فيه إذا قلت : ما جاءنى أحد إلا زيدا ، الحال فيهما واحدة ، وذلك أنك لمّا لم تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به ـ للضرورة ـ إلى النصب الذى كان جائزا فيه متأخّرا. هذا كنصب (فيها قائما رجل) البتّة ، والجواب عنهما واحد.
وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب البحث عن علّة مجىء هذا الباب فى الصحيح كله بالضم ؛ نحو أكرمه وأضربه.
وعلّته عندى أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة ، فدخله بذلك معنى الطبيعة والنحيزة التى تغلب ولا تغلب ، وتلازم ولا تفارق. وتلك الأفعال بابها : فعل يفعل ؛ نحو فقه يفقه إذا أجاد الفقه ، وعلم يعلم إذا أجاد العلم. وروينا عن أحمد ابن يحيى عن الكوفيين : ضربت اليد يده ، على وجه المبالغة.
وكذلك نعتقد نحن أيضا فى الفعل المبنىّ منه فعل التعجب أنه قد نقل عن فعل وفعل إلى فعل ، حتى صارت له صفة التمكّن والتقدّم ، ثم بنى منه الفعل ؛ فقيل : ما أفعله ؛ نحو ما أشعره ، إنما هو من شعر ، وقد حكاها أيضا أبو زيد. وكذلك ما أقتله وأكفره : هو عندنا من قتل وكفر تقديرا ، وإن لم يظهر فى اللفظ استعمالا.
فلمّا كان قولهم : كارمنى فكرمته أكرمه وبابه صائرا إلى معنى فعلت أفعل أتاه الضمّ من هناك. فاعرفه.
فإن قلت : فهلا لمّا دخله هذا المعنى تمّموا فيه الشبه ، فقالوا : ضربته أضربه