باب فى العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه
لضرب من الاستخفاف
اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف غوره وحقيقته. وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها ، فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف اللفظان ، فيخفّا على اللسان.
وذلك نحو الحيوان ؛ ألا ترى أنه عند الجماعة ـ إلا أبا عثمان ـ من مضاعف الياء ، وأن أصله حييان ، فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو. وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء ، لكنه لمّا اختلف الحرفان ساغ ذلك. وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القويّة الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها ياء ؛ نحو دينار وقيراط وديماس (١) وديباج (فيمن قال : دماميس ودبابيج) كان اجتماع حرفى العلة مثلين أثقل عليهم.
نعم ، وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين فى الحيوان فإبدالهم (الواو ياء) لذلك أولى بالجواز وأحرى. وذلك قولهم : ديوان ، (واجليواذ) (٢).
وليس لقائل أن يقول : فلما صار دوّان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى ، هلا أبدلت الواو ياء لذلك ؛ لأن هذا ينقض الغرض ؛ ألا تراهم إنما كرهوا التضعيف فى دوّان ، فأبدلوا ليختلف الحرفان ، فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا : ديّان فيعودوا إلى نحو مما هربوا منه من التضعيف ، وهم قد أبدلوا الحييان إلى الحيوان ليختلف الحرفان ، فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما فى ديوان لم يبق هناك مطلب. وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا : حيّة أنه علم ، والأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام.
ومن ذلك قولهم فى الإضافة إلى آية وراية : آئىّ ، ورائيّ. وأصلهما : آيىّ ورايىّ ، إلا أن بعضهم كره ذلك ، فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع
__________________
(١) الدّيماس ، الدّيماس : الحمّام.
(٢) الاجلوّاذ : والاجليواذ : المضاء والسرعة فى السير ، قال سيبويه : لا يستعمل إلا مزيدا.