باب فى إقلال الحفل بما يلطف من الحكم
وهذا أمر تجده فى باب ما لا ينصرف كثيرا ؛ ألا ترى أنه إذا كان فى الاسم سبب واحد من المعانى الفرعية فإنه يقلّ عن الاعتداد به ، فلا يمنع الصرف له ، فإذا انضمّ إليه سبب آخر اعتونا فمنعا.
ونحو من ذلك جمعهم فى الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذى لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ. فقولك : قمت وزيد فى الاستقباح كقولك : قام وزيد ، وإن لم يكن فى قام لفظ بالضمير. وكذلك أيضا سوّوا فى الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد ، من حيث كانت تلك الزيادة التى لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعا متصلا يغيّر له الفعل. ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسّوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد ، إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثّر فى الحكم ولا محدث أثرا فى اللفظ ؛ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدّة ؛ كحنين الطسّ (١) وطنين البعوض وعفطة (٢) العنز وبصبصة (٣) الكلب.
ومن ذلك قولهم : مررت بحمار قاسم ، ونزلت سفار (٤) قبل. فكسرة الراء فى الموضعين عندهم إلى أثر (٥) واحد. وإن كانت فى (حمار) عارضة ، وفى (سفار) لازمة.
ومن ذلك قولهم : الذى ضربت زيد ، واللذان ضربت الزيدان ؛ فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد ، وإن كنت فى الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء فى ضربته (وأما) الواو بعدها فغير لازمة فى كل لغة ، والوقف أيضا
__________________
(١) الطسّ : لغة فى الطست.
(٢) عفط يعفط : ضرط ، وعفطة العنز : ضرطتها.
(٣) بصبصة الكلب : تحريكه ذنبه.
(٤) سفار : اسم ماء ، مؤنثة معرفة مبنية على الكسر ، وسفار مثل قطام : اسم بئر. اللسان (سفر).
(٥) يريد بالأثر : تسويغ الإمالة مع حرف الاستعلاء بعد وهو القاف ، ولو لا الكسر ما ساغ ذلك. (نجار).