وقوله :
أقول للنفس تأساء وتعزية |
|
إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد (١) |
وقوله :
قالت له النفس تقدّم راشدا |
|
إنك لا ترجع إلا حامدا (٢) |
وقوله :
قالت له النفس إنى لا أرى طمعا |
|
وإن مولاك لم يسلم ولم يصد |
وأمثال هذا كثيرة جدّا (وجميع هذا) يدلّ على أن نفس الشىء عندهم غير الشىء.
فإن قلت : فقد تقول : هذا أخو غلامه وهذه (جارية بنتها) ، فتعرّف الأوّل بما أضيف إلى ضميره ، والذى أضيف إلى ضمير (فإنما يعرف) بذلك الضمير ، ونفس المضاف الأوّل متعرّف بالمضاف إلى ضميره ، فقد ترى على هذا أن التعريف الذى استقرّ فى (جارية) من قولك هذه (جارية بنتها) إنما أتاها من قبل ضميرها ، وضميرها هو هى ؛ فقد آل الأمر إذا إلى أن الشىء قد يعرّف نفسه ، وهذا خلاف ما ركبته ، وأعطيت يدك به.
قيل : كيف تصرّفت الحال فالجارية إنما تصرّفت بالبنت (التى هى) غيرها ، وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأمّا ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذى أفاده ضمير الأوّل لم يعرّف الأوّل ، وإنما عرّف ما عرّف الأوّل. والذى عرّف الأوّل غير الأوّل ، فقد استمرّت الصفة وسقطت المعارضة.
ويؤكّد ذلك أيضا أن الإضافة فى الكلام على ضربين : أحدهما ضمّ الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام ؛ نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضمّ اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من ، نحو هذا ثوب خزّ ، وهذه جبة صوف ؛ وكلاهما ليس الثانى فيه بالأوّل ؛ ألا ترى أن الغلام ليس بزيد ، وأن الثوب ليس بجميع الخزّ ،
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لأعرابى فى خزانة الأدب ٤ / ٣١٢ ، ٦ / ٣٦١ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠.
(٢) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (قول) ، وأساس البلاغة (قول) ، وتاج العروس (قول).