باب فى تسمية الفعل
اعلم أن العرب قد سمّت الفعل بأسماء ، لما سنذكره. وذلك على ضربين :
أحدهما : فى الأمر والنهى ، والآخر : فى الخبر.
الأوّل منهما نحو قولهم : صه ، فهذا اسم اسكت ؛ ومه ، فهذا : اكفف ، ودونك اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك اسم تنحّ ، ومكانك اسم اثبت. قال :
وقولى كلّما جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدى أو تستريحى (١) |
فجوابه بالجزم دليل على أنه كأنه قال : اثبتى تحمدى أو تستريحى. وكذلك قول الله جلّ اسمه : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [يونس : ٢٨] ف (أنتم) توكيد للضمير فى (مكانكم) ؛ كقولك : اثبتوا أنتم وشركاؤكم ، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكّده (الشركاء). ويؤكّد ذلك عندك قول بعضهم : مكانكنى ؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل فى (أكرمنى) ونحوه دليل على قوّة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا : كما أنتنى ؛ كقولك : انتظرنى.
ومنها هلمّ ، وهو اسم ائت ، وتعال. قال الخليل : هى مركبة ؛ وأصلها عنده (ها) للتنبيه ، ثم قال : «لم» أى لم بنا ، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا ، ولأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها فى حكم السكون ؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين ـ وهى الحجازيّة ـ (أن تقول فيها : المم بنا) فلمّا كانت لام (هلمّ) فى تقدير السكون حذف لها ألف (ها) ، كما تحذف لالتقاء الساكنين ، فصارت
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن الإطنابة فى إنباه الرواة ٣ / ٢٨١ ، وحماسة البحترى ص ٩ ، والحيوان ٦ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٢٨ ، والدرر ٤ / ٨٤ ، وديوان المعانى ١ / ١١٤ ، وسمط اللآلى ص ٥٧٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٤٦ ، ومجالس ثعلب ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٨٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٦٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٧ ، وشرح قطر الندى ص ١١٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٤ ، ولسان العرب (جشأ) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٠٣ ، والمقرب ١ / ٧٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣. جشأت نفسه تجشأ جشوءا : ارتفعت ونهضت إليه وجاشت من حزن أو فزع.