وعارضتها رهوا على متتابع |
|
شديد القصيرى خارجىّ محنب (١) |
والثالث ما فى ذلك من الإيجاز والاختصار ، وذلك أنك تقول للواحد : صه ، وللاثنين : صه و (للجماعة : صه) ، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه وجب فيه التثنية والجمع والتأنيث ، وأن تقول : اسكتّا (واسكتوا) واسكتى واسكتن. وكذلك جميع الباب.
فلمّا اجتمع فى تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن الإيجاز ومن المبالغة ، عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها ، وتناسوا تصريفه ، لتناسيهم حروفه. يدلّ على ذلك أنك لا تقول : صه فتسلم ؛ كما تقول : اسكت فتسلم ، ولامه فتستريح ، كما تقول : اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت بالفاء فإنك إنما تنصب لتصوّرك فى الأوّل معنى المصدر ، وإنما يصحّ ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله ؛ ألا تراك إذا قلت : زرنى فأكرمك ، فإنك إنما نصبته ، لأنك تصوّرت فيه : لتكن زيارة منك فإكرام منّى. ف (زرنى) دلّ على الزيارة ، لأنه من لفظه ، فدلّ الفعل على مصدره ، كقولهم : من كذب كان شرّا له ، أى كان الكذب ؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله ـ وهو كذب ـ عليه ، وليس كذلك صه ، لأنه ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير (٢) ، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل ، فإذا لم يكن صه فعلا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.
فإن قلت : فقد تقول : أين بيتك فأزورك ، وكم مالك فأزيدك عليه ، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر ، فما الفرق بين «ذلك وبين صه»؟
قيل : هذا كلام محمول على معناه ؛ ألا ترى أن قولك : «أين بيتك» قد دخله معنى أخبرنى ، فكأنه قال : ليكن منك تعريف لى ومنّى زيارة لك.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص ٢٦ ، ولسان العرب (خرج) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٢٧٢ ، وكتاب الجيم ٢ / ٢٤ ، وتاج العروس (خرج) ، (عض). الرهو من الأضداد ، يكون السير السهل ويكون السريع ، والمقصود هنا : السير السهل والقصيرى : ضلع الخلف. والمحنب : الذى فى ذراعه ما يشبه التحدّب.
(٢) أصل هذا المثل : ما يعرف قبيلا من دبير ، والقبيل : القبل ، والدبير : الدبر.