فإن قيل : (وكيف ذلك) أيضا؟ هلا جاز صه فتسلم ، لأنه محمول على معناه ؛ ألا ترى أن قولك : صه فى معنى : ليكن منك سكوت فتسلم.
قيل : يفسد هذا من قبل أن صه لفظ قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذى هو اسكت ، وترك له ، ورفض من أجله. فلو ذهبت تعاوده وتتصوّره أو تتصوّر مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعا إليه بعد الإبعاد عنه ، والتحامى للّفظ به ، فكان ذلك يكون كادغام الملحق ، لما فيه من نقض الغرض. وليس كذلك أين بيتك ، لأن هذا ليس لفظا عدل إليه عن : «عرّفنى بيتك» على وجه التسمية له به ، ولأن هذا قائم فى ظله الأوّل من كونه مبتدأ (وخبرا) ؛ وصه ومه قد تنوهى فى إبعاده عن الفعل البتّة ؛ ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء : صه على صورة واحدة ، ولا يظهر فيه ضمير ، على قيامه بنفسه وشبهه بذلك بالجملة المركّبة. فلمّا تناءى عن الفعل هذا التنائى ، وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسى ، لم يجز فيما بعد أن تراجع أحكامه ، وقد درست معارفه وأعلامه ؛ فاعرف ذلك.
فأمّا دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده ، فأقول : دراك زيدا فتظفر به ، ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به ، لأنه وإن لم يتصرّف فإنه من لفظ الفعل ؛ ألا تراك تقول : أأنت سائر فأتبعك ، فتقتضب من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلا كما قال الآخر :
إذا نهى السفيه جرى إليه |
|
وخالف والسفيه إلى خلاف (١) |
فاستنبط من السفيه معنى السّفه ، فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا.
هذا حديث هذه الأسماء فى باب النصب.
فأما الجزم فى جواباتها فجائز حسن ، وذلك قولك : صه تسلم ، ومه تسترح ،
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لأبى قيس بن الأسلت الأنصارى فى إعراب القرآن ص ٩٠٢ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٩ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢٠٣ ، والإنصاف ١ / ١٤٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٦٤ ، ٤ / ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والدرر ١ / ٢١٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٢٤٤ ، ومجالس ثعلب ص ٧٥ ، والمحتسب ١ / ١٧٠ ، ٢ / ٣٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٥.