ودونك زيدا تظفر بسلبه ؛ ألا تراك فى الجزم لا تحتاج إلى تصوّر معنى المصدر ، لأنك لست تنصب الجواب فتضطرّ إلى تحصيل معنى المصدر الدالّ على أن والفعل. وهذا واضح.
فإن قيل : فمن أين وجب بناء هذه الأسماء؟ فصواب القول فى ذلك أن علّة بنائها إنما هى تضمّنها معنى لام الأمر ، ألا ترى أن صه بمعنى اسكت ، وأنّ أصل اسكت لتسكت ؛ كما أن أصل قم لتقم ، واقعد لتقعد ؛ فلمّا ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت ؛ كما أن كيف ومن وكم لمّا تضمّن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بنى ؛ وكذلك بقيّة الباب.
فأمّا قول من قال فى نحو هذا : إنه إنما بنى لوقوعه موقع المبنىّ ، يعنى أدرك واسكت ؛ فلن يخلو من أحد أمرين : إما أن يريد أن علّة بنائه إنما هى نفس وقوعه موقع المبنىّ لا غير ، وإمّا أن يريد أنّ وقوعه موقع فعل الأمر ضمّنه معنى حرف الأمر. فإن أراد الأوّل فسد ، لأنه إنما علة بناء الاسم تضمّنه معنى الحرف ، أو وقوعه موقعه. هذا هو علّة بنائه لا غير ، وعليه قول سيبويه والجماعة.
فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء ، نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك ؛ إنما بنيت لتضمّنها معنى حرف الأمر لا غير.
فإن قيل : ما أنكرت من فساد هذا القول ، من قبل أن الأسماء التى سمّى بها الفعل فى الخبر مبنيّة أيضا ، نحو أفّ وأوّتاه وهيهات ، وليست بينها وبين لام الأمر نسبة؟ قيل : القول هو الأوّل. فأما هذه فإنها محمولة فى ذلك على بناء الأسماء المسمّى بها الفعل فى الأمر والنهى ، ألا ترى أن الموضع فى ذلك لها ، لما قدّمناه من ذكرها ، وأنهما بالأفعال لا غير ، ولا يكونان إلا به ، والخبر قد يكون بالأسماء من غير اعتراض فعل فيه ، نحو أخوك زيد وأبوك جعفر. فلمّا كان الموضع فى ذلك إنما هو لأفعال الأمر والنهى ، وكانا لا يكونان إلا بحرفيهما : اللام ولا ، حمل ما سمّى به الفعل فى الخبر على ما سمّى به فى الأمر والنهى ، كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذا الضارب الرجل ؛ وكما حمل أنت الرجل العبد (على أنت الرجل العلم والحلم) ونحو ذلك.
فإن قيل : هذا يدعوك إلى حمل شيء على شيء ، ولو سلكت طريقنا لما