باب فى تركيب المذاهب
قد كنا أفرطنا فى هذا الكتاب باب تركيب اللغات. وهذا الباب نذكر فيه كيف تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض (وأنتجت) بين ذلك مذهبا.
وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس فى ردّ المحذوف فى التحقير وإن غنى المثال عنه ، فيقول فى تحقير هار : هويئر ، وفى يضع اسم رجل : يؤيضع ، وفى بالة من قولك ما باليت به بالة : بويلية. وسيبويه إذا استوفى التحقير مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفا. فيقول : هوير ، ويضيع ، وبويلة.
وكان أبو عثمان أيضا يرى رأى سيبويه فى صرف نحو جوار علما وإجرائه بعد العلميّة على ما كان عليه قبلها. فيقول فى رجل أو امرأة اسمها جوار أو غواش بالصرف فى الرفع والجر على حاله قبل نقله ، ويونس لا يصرف ذلك ونحوه علما ، ويجريه مجرى الصحيح فى ترك الصرف.
فقد تحصّل إذا لأبى عثمان هنا مذهب مركّب من مذهبى الرجلين ؛ وهو الصرف على مذهب سيبويه ، والردّ على مذهب يونس. فتقول على قول أبى عثمان فى تحقير اسم رجل سمّيته بيرى : هذا يريء (كيريع). فتردّ الهمزة على قول يونس ، وتصرف على قول سيبويه. ويونس يقول فى هذا : يريئى (بوزن يريعى) فلا يصرف وقياس قول سيبويه يرىّ ، فلا يردّ ، وإذا لم يردّ لم يقع الطرف بعد كسرة ، فلا يصرف إذا ، كما لم يصرف أحىّ تصغير أحوى. وقياس قول عيسى أن يصرف فيقول : يرىّ ؛ كما يصرف تحقير أحوى : أحىّ.
فقد عرفت إذا تركب مذهب أبى عثمان من قولى الرجلين.
فإن خفّفت همزة يريء قلت يريّى ، فجمعت فى اللفظ بين ثلاث ياءات ، والوسطى مكسورة. ولم يلزم حذف الطرف للاستثقال ، كما حذف فى تحقير أحوى إذا قلت : أحىّ ؛ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة ، وإنما هى همزة مخففة فهى فى تقدير الهمز. فكما لا تحذف فى قولك : يريء ، كذلك لا تحذف فى قولك : يزبّى ، ولو ردّ عيسى كما ردّ يونس للزمه ألا يصرف فى النصب لتمام